وَالْقُرْآن لَا تَنْقَضِي عجائبه وَالله سُبْحَانَهُ بَين مُرَاده بَيَانا أحكمه لَكِن الِاشْتِبَاه يَقع على من لم يرسخ فِي علم الدَّلَائِل الدَّالَّة فان هَذِه السُّورَة وَغَيرهَا فِيهَا عجائب لَا تَنْقَضِي
وَمِنْهَا أَن قَوْله {فَمَا يكذبك بعد بِالدّينِ} ذكر فِيهِ الرَّسُول المكذب وَالدّين المكذب بِهِ جَمِيعًا فَإِن السُّورَة تَضَمَّنت الْأَمريْنِ تَضَمَّنت الاقسام بأماكن الرُّسُل المبينة لعظمتهم وَمَا أَتَوا بِهِ من الْآيَات الدَّالَّة على دقهم الْمُوجبَة للايمان وهم قد أخبروا بالمعاد الْمَذْكُور فِي هَذِه السُّورَة
وَقد أقسم الله عَلَيْهِ كَمَا يقسم عَلَيْهِ فِي غير مَوضِع وكما أَمر نبيه أَن يقسم عَلَيْهِ فِي مثل قَوْله {زعم الَّذين كفرُوا أَن لن يبعثوا قل بلَى وربي لتبعثن} التغابن 64 7 وَقَوله {وَقَالَ الَّذين كفرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَة قل بلَى وربي لتأتينكم} سبأ 34 3
فَلَمَّا تَضَمَّنت هَذَا وَهَذَا ذكر نَوْعي التَّكْذِيب فَقَالَ {فَمَا يكذبك بعد بِالدّينِ} وَالله سُبْحَانَهُ أعلم
وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَا ذَنْب لَهُ فِي ذَلِك وَالْقُرْآن مُرَاده أَن يبين أَن هَذَا الرَّد جَزَاء على ذنُوبه وَلِهَذَا قَالَ {إِلَّا الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات} كَمَا قَالَ {إِن الْإِنْسَان لفي خسر إِلَّا الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصبرِ} الْعَصْر 103 2 و 3
لَكِن هُنَا ذكر الخسر فَقَط فوصف المستثنين بِأَنَّهُ تواصوا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصبرِ مَعَ الايمان وَالصَّلَاح وَهُنَاكَ ذكر أَسْفَل سافلين وَهُوَ الْعَذَاب وَالْمُؤمن المصلح لَا يعذب وان كَانَ قد ضيع أمورا خسرها لَو حفظهَا لَكَانَ رابحا غير خاسر وَبسط لَهُ مَوضِع آخر