دقائق التفسير (صفحة 268)

{وَذَا النُّون إِذْ ذهب مغاضبا فَظن أَن لن نقدر عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَات أَن لَا إِلَه إِلَّا أَنْت سُبْحَانَكَ إِنِّي كنت من الظَّالِمين فاستجبنا لَهُ ونجيناه من الْغم وَكَذَلِكَ ننجي الْمُؤمنِينَ} وَقَوله {أم من يُجيب الْمُضْطَر إِذا دَعَاهُ ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأَرْض} وَقَوله تَعَالَى عَن زَكَرِيَّا {رب لَا تذرني فَردا وَأَنت خير الْوَارِثين فاستجبنا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يحيى وأصلحنا لَهُ زوجه} وَقَالَ تَعَالَى {فَإِذا ركبُوا فِي الْفلك دعوا الله مُخلصين لَهُ الدّين فَلَمَّا نجاهم إِلَى الْبر إِذا هم يشركُونَ} وَقَالَ تَعَالَى {وَمن آيَاته الْجوَار فِي الْبَحْر كالأعلام إِن يَشَأْ يسكن الرّيح فيظللن رواكد على ظَهره إِن فِي ذَلِك لآيَات لكل صبار شكور أَو يوبقهن بِمَا كسبوا ويعف عَن كثير وَيعلم الَّذين يجادلون فِي آيَاتنَا مَا لَهُم من محيص}

فَأخْبر أَنه إِن شَاءَ أوبقهن فَاجْتمع أَخذهم بِذُنُوبِهِمْ وعفوه عَن كثير مِنْهَا مَعَ علم المجادلين فِي آيَاته أَنه مَا لَهُم من محيص لِأَنَّهُ فِي مثل هَذَا الْحَال يعلم المورد للشبهات فِي الدَّلَائِل الدَّالَّة على ربوبية الرب وَقدرته ومشيئته وَرَحمته أَنه لَا مخلص لَهُ مِمَّا وَقع فِيهِ كَقَوْلِه فِي الْآيَة الْأُخْرَى {وهم يجادلون فِي الله وَهُوَ شَدِيد الْمحَال}

فَإِن المعارف الَّتِي تحصل فِي النَّفس بالأسباب الاضطرارية أثبت وأرسخ من المعارف الَّتِي ينتجها مُجَرّد النّظر القياسي الَّذِي ينزاح عَن النُّفُوس فِي مثل هَذِه الْحَال هَل الرب مُوجب بِذَاتِهِ فَلَا يكون هُوَ الْمُحدث للحوادث ابْتِدَاء وَلَا يُمكنهُ أَن يحدث شَيْئا وَلَا يُغير الْعَالم حَتَّى يدعى وَيسْأل وَهل هُوَ عَالم بالتفصيل والإجمال وقادر على تصريف الْأَحْوَال حَتَّى يسْأَل التَّحْوِيل من حَال إِلَى حَال أَو لَيْسَ كَذَلِك كَمَا يزعمه من المتفلسفة وَغَيرهم من الضلال فيجتمع مَعَ الْعقُوبَة وَالْعَفو من ذِي الْجلَال علم أهل المراء والجدال أَنه لَا محيص لَهُم عَمَّا أوقع بِمن جادلوا فِي آيَاته وَهُوَ شَدِيد الْمحَال وَقد تكلمنا على هَذَا وأشباهه وَمَا يتَعَلَّق بِهِ من المقالات والديانات فِي غير هَذَا الْموضع

وَالْمَقْصُود هُنَا أَن يعلم أَن الدُّعَاء وَالسُّؤَال هُوَ سَبَب لنيل الْمَطْلُوب المسؤول لَيْسَ وجوده كَعَدَمِهِ فِي ذَلِك وَلَا هُوَ عَلامَة مَحْضَة كَمَا دلّ عَلَيْهِ الْكتاب وَالسّنة وَإِن كَانَ قد نَازع فِي ذَلِك طوائف من أهل الْقبْلَة وَغَيرهم مَعَ أَن ذَلِك يقربهُ جَمَاهِير بني آدم من الْمُسلمين وَالْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ وَالْمَجُوس وَالْمُشْرِكين لَكِن طوائف من الْمُشْركين وَالصَّابِئِينَ من المتفلسفة الْمَشَّائِينَ اتِّبَاع

طور بواسطة نورين ميديا © 2015