ثالثاً: قوله (أن الفعل لا ينهض على نسخ القول، فحديث أبي هريرة قولي وحديث ابن عباس فعلي) مردود بحديث المغيرة بن شعبة –رضي الله عنه- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أكل طعاماً وأقيمت الصلاة فقام، وقد كان توضأ قبل ذلك، فأتيته بماء ليتوضأ فانتهرني وقال لي: وراءك، فساءني ذلك، ثم صلى، فشكوت ذلك إلى عمر بن الخطاب فقال: يا رسول الله إن المغيرة بن شعبة قد شق عليه انتهارك إياه خشي أن يكون في نفسك عليه شيء، فقال: ليس في نفسي عليه شيء إلا خير، ولكنه أتاني بماء لأتوضأ وإنما أكلت طعاماً ولو فعلت ذلك فعل الناس ذلك من بعدي) . (?)
والفعلي لا يقاوم القولي لأن الفعل لا يدل بنفسه على شيء، حيث يجوز أن يكون خاصاً به –صلى الله عليه وسلم- وهنا قد انتفى الخصوص حيث لم يفعل ذلك رسول الله –صلى الله عليه وسلم- خشية أن يفعله الناس وهذه الخشية تدل على أنه قد نسخ الأمر بالوضوء.
وقد يقال أن حديث المغيرة قبل حديث أبي هريرة فيكون منسوخاً، وهذا القول يرد بأن الظاهر غير هذا حيث يتبين من الحديث أن المغيرة قد عهد من الرسول صلى الله عليه وسلم وضوءا مما مست النار لذا أعد له ماءا ليتوضأ به.
رابعاً: قوله "إن حديث جابر يحكي واقعة معينة لا عموم لها" مردود بأن غير جابر حكى ترك الوضوء مما مست النار، كما حكى النسخ أبو هريرة-رضي الله عنه- كذلك، وذلك بقوله: "أكل ثور أقط، فتوضأ ثم أكل بعده كتفاً فصلى ولم يتوضأ".
خامساً: حديث ترك الوضوء مما مست النار راجح عدة أمور:
1- أن الترك قد عمل به الخلفاء الراشدون فيكون آكد.
2- رجوع كثير ممن قال بالوجوب عن قوله وتركه للوضوء منهم: أبو هريرة، وأنس بن مالك، وأبو طلحة، وأبو أيوب وغيرهم. (?)