ووجه استدلالهم من حديث انس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يرد عنه في هذا الحديث الأمر بنقل التراب، وظاهر ذلك الاكتفاء بصب الماء فإنه لو وجب الحفر لأمر به، ولو أمر به لذكر، ولو كان نقل التراب واجباً في التطهير لاكتفى به فإن الأمر بصب الماء حينئذ يكون زيادة تكليف، وتعب من غير منفعة تعود للمقصود وهو تطهير الأرض (?) .
2- ذهب الحنفية إلى الحفر وفرقوا بين الأرض الرخوة والصلبة.
قال الكاساني: "ولو أن الأرض أصابتها نجاسة رطبة فإن كانت الأرض رخوة يصب عليها الماء حتى يتسفل فيها، فإذا لم يبق على وجهها شيء من النجاسة وتسفلت المياه يحكم بطهارتها" " وإذا كانت صلبة فإن كان صعوداً يحفر في أسفلها حفيرة ويصب الماء عليها ثلاث مرات ويزال عنها إلى الحفيرة ثم تكبر الحفيرة، وإن كانت مستوية بحيث لا يزول عنها الماء لا تغسل لعدم الفائدة في الغسل" (?) .
وردوا على من صب الماء عليها وقالوا: " بأن ذلك فاسد لأن الماء النجس باق حقيقة، ولكن ينبغي أن تقلب فيجعل أعلاها أسفلها، وأسفلها أعلاها ليصير التراب الطاهر وجه الأرض، وهكذا روي أن أعرابياً بال في المسجد فأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يحفر موضع بوله" (?) .
قلت:
وقد بان لنا مما تقدم ضعف حديث الحفر فلا يصح للاحتجاج به.
ويترجح ما ذهب إليه الجمهور من عدم وجوب الحفر وأن الأرض تطهر بصب الأرض وذلك لصحة الدليل بهذا. ... والله أعلم.
المبحث التاسع:
البول قائماً.
ومما يدخل في باب المياه والنجاسات آداب قضاء الحاجة وقد يظهر تعارض بعض الأحاديث مع بعضها. ففي البول قائماً نجد أن أحاديث تبيحه وأخرى تمنعه.
كما يبيحه حديث حذيفة-رضي الله عنه- قال:
(رأيتني أنا والنبي -صلى الله عليه وسلم-نتماشى، فأتى سباطة قوم خلف حائط فقام كما يقوم أحدكم، فبال، فانتبذت منه فأشار إلي، فجئته فقمت عند عقبه حتى فرغ) .