ومما يدل على ذلك حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: "أقبلنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من غزوة له، حتى إذا كنا بالمعرس قريبا من المدينة نعست من الليل، وكانت علي قلادة تدعى السمط تبلغ السرة، فجعلت أنعس فخرجت من عنقي، فلما نزلت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لصلاة الصبح، قلت: يا رسول الله، خرت قلادتي من عنقي، فقال: "أيها الناس إن أمكم قد ضلت قلادتها فابتغوها"، فابتغاها الناس، ولم يكن معهم ماء، فاشتغلوا بابتغائها إلى أن حضرتهم الصلاة، ووجدوا القلادة ولم يقدروا على ماء، فمنهم من تيمم إلى الكف، ومنهم من تيمم إلى المنكب، وبعضهم على جسده، فبلغ ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأنزلت آية التيمم".
ففي هذا الحديث أن نزول آية التيمم كان بعدما تيمموا هذا التيمم المختلف الذي بعضه إلى المناكب، فعلمنا بتيممهم أنهم لم يفعلوا ذلك إلا وقد تقدم عندهم أصل التيمم، وعلمنا بقولها "فأنزل الله آية التيمم" أن الذي نزل بعد فعلهم هو صفة التيمم، فهذا وجه حديث عمار عندنا.
ومما يدل أيضا على أن هذه الآية تنفي ما فعلوا من ذلك، أن عمار بن ياسر هو الذي روى ذلك عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد روى غيره عنه في التيمم الذي عمله بعد ذلك خلاف ذلك.
وذكر حديث عمار بالضربة للوجه والكفين. والاختلاف فيه بما روي عنه أن التيمم للوجه واليدين إلى الذراعين. ثم قال:
"فلما اختلفوا في التيمم كيف هو، واختلفت هذه الروايات فيه، رجعنا إلى النظر في ذلك لنستخرج به من هذه الأقاويل قولا صحيحا، فاعتبرنا ذلك فوجدنا الوضوء على الأعضاء التي ذكرها الله تعالى في كتابه، وكان التيمم قد أسقط عن بعضها، فأسقط عن الرأس والرجلين، فكان التيمم هو على بعض ما عليه الوضوء. فبطل بذلك قول من قال: إنه إلى المناكب، لأنه لما بطل عن الرأس والرجلين وهما مما يوضأ؛ كان أحرى أن لا يجب على ما لا يوضأ.