الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: ذَبَائِحُ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي دَارِ الْحَرْبِ كَذَبَائِحِهِمْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ، وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ الْآيَةَ.

هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ تَحَاكَمَ إِلَيْهِ أَهْلُ الْكِتَابِ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْحُكْمِ بَيْنَهُمْ وَالْإِعْرَاضِ عَنْهُمْ، وَقَدْ جَاءَتْ آيَةٌ أُخْرَى تَدُلُّ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ الْآيَةَ [5 \ 49] .

وَالْجَوَابُ: أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ نَاسِخٌ لِقَوْلِهِ: أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ وَعِكْرِمَةَ وَالْحَسَنِ وَقَتَادَةَ وَالسُّدِّيِّ وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ

وَعَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ وَغَيْرِ وَاحِدٍ، قَالَهُ ابْنُ كَثِيرٍ.

وَقِيلَ: مَعْنَى وَأَنِ احْكُمْ أَيْ إِذَا حَكَمْتَ بَيْنَهُمْ، فَاحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَا بِاتِّبَاعِ الْهَوَى، وَعَلَيْهِ فَالْأُولَى مُحْكَمَةٌ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.

قَوْلُهُ تَعَالَى: أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ الْآيَةَ.

هَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى قَبُولِ شَهَادَةِ الْكُفَّارِ عَلَى الْوَصِيَّةِ فِي السَّفَرِ، وَقَدْ جَاءَتْ آيَاتٌ أُخَرُ تَدُلُّ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ كَقَوْلِهِ: إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ [16 105] .

وَقَوْلِهِ: وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [24 \ 4] ، أَيْ فَالْكَافِرُونَ أَحْرَى بِرَدِّ شَهَادَتِهِمْ.

وَقَوْلِهِ: وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ [65 2] .

وَقَوْلِهِ: وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ الْآيَةَ [2 282] .

وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ لَا يَقْبَلُ شَهَادَةَ الْكَافِرِينَ عَلَى الْإِيصَاءِ فِي السَّفَرِ أَنَّهُ يَقُولُ: إِنَّ قَوْلَهُ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ، مَنْسُوخٌ بِآيَاتِ اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ، وَالَّذِي يَقُولُ بِقَبُولِ شَهَادَتِهِمَا يَقُولُ هِيَ مُحْكَمَةٌ مُخَصِّصَةٌ لِعُمُومِ غَيْرِهَا، وَهَذَا الْخِلَافُ مَعْرُوفٌ وَوَجْهُ الْجَوَابِ عَلَى كِلَا الْقَوْلَيْنِ ظَاهِرٌ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015