عَنْ قَوْلِهِ تعالى: وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ مَعَ قَوْلِهِ: وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا، وَهُوَ أَنَّ أَلْسِنَتَهُمْ تَقُولُ: وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ فَيَخْتِمُ اللَّهُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتَشْهَدُ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ.
فَكَتَمَ الْحَقَّ بِاعْتِبَارِ اللِّسَانِ وَعَدِمَهُ بِاعْتِبَارِ الْأَيْدِي وَالْأَرْجُلِ، وَهَذَا الْجَمْعُ يُشِيرُ إِلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [36 65] .
وَأَجَابَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِتَعَدُّدِ الْأَمَاكِنِ فَيَكْتُمُونَ فِي وَقْتٍ وَلَا يَكْتُمُونَ فِي وَقْتٍ آخَرَ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ.
لَا تَعَارُضَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ تَعَالَى: مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ [4 79] .
وَالْجَوَابُ ظَاهِرٌ، وَهُوَ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ أَيْ مَطَرٌ وَخِصْبٌ وَأَرْزَاقٌ وَعَافِيَةٌ يَقُولُوا هَذَا أَكْرَمَنَا اللَّهُ بِهِ، وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ أَيْ جَدْبٌ وَقَحْطٌ وَفَقْرٌ وَأَمْرَاضٌ، يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ أَيْ مِنْ شُؤْمِكَ يَا مُحَمَّدُ وَشُؤْمِ مَا جِئْتَ بِهِ. قُلْ لَهُمْ: كُلُّ ذَلِكَ مِنَ اللَّهِ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الَّذِي يَأْتِي بِالْمَطَرِ وَالرِّزْقِ وَالْعَافِيَةِ، كَمَا أَنَّهُ يَأْتِي بِالْجَدْبِ وَالْقَحْطِ وَالْفَقْرِ وَالْأَمْرَاضِ وَالْبَلَايَا، وَنَظِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُ اللَّهِ فِي فِرْعَوْنِ وَقَوْمِهِ مَعَ
مُوسَى: وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ [7 131] .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي قَوْمِ صَالِحٍ مَعَ صَالِحٍ: قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ الْآيَةَ [27 \ 47] ، وَقَوْلُ أَصْحَابِ الْقَرْيَةِ لِلرُّسُلِ الَّذِينَ أُرْسِلُوا إِلَيْهِمْ: قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ الْآيَةَ [36 \ 18] .
وَأَمَّا قَوْلُهُ: مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ أَيْ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتَفَضِّلُ بِكُلِّ نِعْمَةٍ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ أَيْ مِنْ قِبَلِكَ وَمِنْ قِبَلِ