تَعَالَى: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ [9] ، فِي الْحُلِيِّ الْمُبَاحِ لِأَنَّ الْآيَةَ سِيقَتْ لِلذَّمِّ فَلَا تَعُمُّ عِنْدَهُ الْحُلِيَّ الْمُبَاحَ، فَإِذَا حَقَّقْتَ ذَلِكَ فَاعْلَمْ أَنَّ الْعَامَّ الَّذِي لَمْ يَقْتَرِنْ بِمَا يَمْنَعُ اعْتِبَارَ عُمُومِهِ أَوْلَى مِنَ الْمُقْتَرِنِ بِمَا يَمْنَعُ اعْتِبَارَ عُمُومِهِ عِنْدَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ.

الرَّابِعُ: أَنَّا لَوْ سَلَّمْنَا الْمُعَارَضَةَ بَيْنَ الْآيَتَيْنِ فَالْأَصْلُ فِي الْفُرُوجِ التَّحْرِيمُ، حَتَّى يَدُلَّ دَلِيلٌ لَا مَعَارِضَ لَهُ عَلَى الْإِبَاحَةِ.

الْخَامِسُ: أَنَّ الْعُمُومَ الْمُقْتَضِي لِلتَّحْرِيمِ أَوْلَى مِنَ الْمُقْتَضِي لِلْإِبَاحَةِ لِأَنَّ تَرْكَ مُبَاحٍ أَهْوَنُ مِنِ ارْتِكَابِ حَرَامٍ كَمَا سَيَأْتِي تَحْقِيقُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فِي سُورَةِ «الْمَائِدَةِ» ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.

فَهَذِهِ الْأَوْجُهُ الْخَمْسَةُ الَّتِي بَيَّنَّا يُرَدُّ بِهَا اسْتِدْلَالُ دَاوُدَ الظَّاهِرِيِّ بِهَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ عَلَى جَمْعِ الْأُخْتَيْنِ فِي الْوَطْءِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَلَكِنَّهُ يَحْتَجُّ بِآيَةٍ أُخْرَى وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [4 \ 24] ، فَإِنَّهُ يَقُولُ: الِاسْتِثْنَاءُ رَاجِعٌ أَيْضًا إِلَى قَوْلِهِ: وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ فَيَكُونُ الْمَعْنَى عَلَى قَوْلِهِ: وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ، فَإِنَّهُ لَا يَحْرُمُ فِيهِ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ.

وَرُجُوعُ الِاسْتِثْنَاءِ لِكُلِّ مَا قَبْلُهُ مِنَ الْمُتَعَاطِفَاتِ جُمَلًا كَانَتْ أَوْ مُفْرِدَاتٍ هُوَ الْجَارِي عَلَى أُصُولِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِ صَاحِبِ مَرَاقِي السُّعُودِ [الرَّجَزِ] :

وَكُلُّ مَا يَكُونُ فِيهِ الْعَطْفُ ... مِنْ قَبْلِ الِاسْتِثْنَاءِ فَكُلًّا يَقِفُ

دُونَ دَلِيلِ الْعَقْلِ أَوْ ذِي السَّمْعِ.

خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ الْقَائِلِ بِرُجُوعِ الِاسْتِثْنَاءِ لِلْجُمْلَةِ الْأَخِيرَةِ فَقَطْ، وَلِذَلِكَ لَا يَرَى قَبُولَ شَهَادَةِ الْقَاذِفِ وَلَوْ تَابَ وَأَصْلَحَ لِأَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا [24 \ 5] ، يَرْجِعُ عِنْدَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [24 \ 4] ، فَقَطْ أَيْ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا، فَقَدْ زَالَ فِسْقُهُمْ بِالتَّوْبَةِ وَلَا يَقُولُ بِرُجُوعِهِ لِقَوْلِهِ: وَلَا تَقْبَلُوا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015