بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قَوْلُهُ تَعَالَى: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً الْآيَةَ.
هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَدْلَ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ مُمْكِنٌ، وَقَدْ جَاءَ فِي آيَةٍ أُخْرَى مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مُمْكِنٍ وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ الْآيَةَ [4 \ 129] .
وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا: أَنَّ الْعَدْلَ بَيْنَهُنَّ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ أَنَّهُ مُمْكِنٌ هُوَ الْعَدْلُ فِي تَوْفِيَةِ الْحُقُوقِ الشَّرْعِيَّةِ. وَالْعَدْلَ الَّذِي ذَكَرَ أَنَّهُ غَيْرُ مُمْكِنٍ هُوَ الْمُسَاوَاةُ فِي الْمَحَبَّةِ وَالْمَيْلِ الطَّبِيعِيِّ، لِأَنَّ هَذَا انْفِعَالٌ لَا فِعْلٌ فَلَيْسَ تَحْتَ قُدْرَةِ الْبَشَرِ، وَالْمَقْصُودُ أَنَّ مَنْ كَانَ أَمْيَلَ بِالطَّبْعِ إِلَى إِحْدَى الزَّوْجَاتِ فَلْيَتَّقِ اللَّهَ وَلْيَعْدِلْ فِي الْحُقُوقِ الشَّرْعِيَّةِ، كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ الْآيَةَ [4 \ 129] .
وَهَذَا الْجَمْعُ رُوِيَ مَعْنَاهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعُبَيْدَةَ السَّلْمَانِيِّ وَمُجَاهِدٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ نَقَلَهُ عَنْهُمُ ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ: وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ الْآيَةَ.
وَرَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ آيَةَ: وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ نَزَلَتْ فِي عَائِشَةَ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَمِيلُ إِلَيْهَا بِالطَّبْعِ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهَا.
وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَهْلُ السُّنَنِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْسِمُ بَيْنَ نِسَائِهِ فَيَعْدِلُ ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُمَّ هَذَا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِكُ، فَلَا تَلُمْنِي فِيمَا تَمْلِكُ وَلَا أَمْلِكُ، يَعْنِي الْقَلْبَ، انْتَهَى مِنِ ابْنِ كَثِيرٍ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ الْآيَةَ.