أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مُنَاظِرٌ لَا نَاظِرٌ وَمَقْصُودُهُ التَّسْلِيمُ الْجَدَلِيُّ أَيْ: هَذَا رَبِّي عَلَى زَعْمِكُمُ الْبَاطِلِ، وَالْمُنَاظِرُ قَدْ يُسَلِّمُ الْمُقَدِّمَةَ الْبَاطِلَةَ تَسْلِيمًا جَدَلِيًّا لِيُفْحِمَ بِذَلِكَ خَصْمَهُ.

فَلَوْ قَالَ لَهُمْ إِبْرَاهِيمُ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ: الْكَوْكَبُ مَخْلُوقٌ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ رَبًّا، لَقَالُوا لَهُ، كَذَبْتَ، بَلِ الْكَوْكَبُ رَبٌّ وَمِمَّا يَدُلُّ لِكَوْنِهِ مُنَاظِرًا لَا نَاظِرًا:

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ [6 \ 80] .

وَهَذَا الْوَجْهُ هُوَ الْأَظْهَرُ، وَمَا اسْتَدَلَّ بِهِ ابْنُ جَرِيرٍ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مُنَاظِرٍ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى:

لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ [6 \ 77] .

لَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَى التَّحْقِيقِ لِأَنَّ الرُّسُلَ يَقُولُونَ مِثْلَ ذَلِكَ تَوَاضُعًا وَإِظْهَارًا لِالْتِجَائِهِمْ إِلَى اللَّهِ، كَقَوْلِ إِبْرَاهِيمَ: وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ [14 \ 35] ، وَقَوْلِهِ هُوَ وَإِسْمَاعِيلُ: رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ الْآيَةَ [2 \ 128] .

الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الْكَلَامَ عَلَى حَذْفِ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ أَيْ: أَهَذَا رَبِّي؟ وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ النَّحْوِ أَنَّ حَذْفَ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ إِذَا دَلَّ الْمَقَامُ عَلَيْهَا جَائِزٌ، وَهُوَ قِيَاسِيٌّ عِنْدَ الْأَخْفَشِ مَعَ أَمْ وَدُونَهَا ذَكَرَ الْجَوَابَ أَمْ لَا، فَمِنْ أَمْثِلَتِهِ دُونَ أَمْ وَدُونَ ذِكْرِ الْجَوَابِ قَوْلُ الْكُمَيْتِ:

طَرِبْتُ وَمَا شَوْقًا إِلَى الْبِيضِ أَطْرَبُ ... وَلَا لَعِبًا مِنِّي وَذُو الشَّيْبِ يَلْعَبُ

يَعْنِي أَوَ ذُو الشَّيْبِ يَلْعَبُ؟ وَقَوْلُ أَبِي خِرَاشٍ الْهُذَلِيِّ وَاسْمُهُ خُوَيْلِدٌ:

رَفَوْنِي وَقَالُوا يَا خُوَيْلِدُ لَمْ تُرَعْ ... فَقُلْتُ وَأَنْكَرْتُ الْوُجُوهَ هُمُ هُمُ

يَعْنِي أَهُمْ هُمْ، كَمَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَجَزَمَ بِهِ الْأَلُوسِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ، وَذَكَرَهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ جَمَاعَةٍ وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُ: وَأَنْكَرْتُ الْوُجُوهَ.

وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ دُونَ أَمْ مَعَ ذِكْرِ الْجَوَابِ، قَوْلُ عُمَرَ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ الْمَخْزُومِيِّ:

ثُمَّ قَالُوا تُحِبُّهَا قُلْتُ بَهْرًا ... عَدَدَ النَجْمِ وَالْحَصَى وَالتُّرَابِ

يَعْنِي أَتُحِبُّهَا عَلَى الْقَوْلِ الصَّحِيحِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015