السُّلَمِيِّ، لَمَّا قُتِلَ مَالِكُ بْنُ حَرْمَلَةَ الْفَزَارِيُّ:
فَإِنْ تَكُ خَيْلِي قَدْ أُصِيبَ صَمِيمُهَا ... فَعَمْدًا عَلَى عَيْنِي تَيَمَّمْتُ مَالِكًا
أَقُولُ لَهُ وَالرُّمْحُ يَأْطُرُ مَتْنُهُ ... تَأَمَّلْ خِفَافًا إِنَّنِي أَنَا ذَلِكَا
يَعْنِي أَنَا هَذَا، وَهَذَا الْقَوْلُ الْأَخِيرُ حَكَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْمُثَنَّى أَبِي عُبَيْدَةَ، قَالَهُ ابْنُ كَثِيرٍ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَعَامَّةُ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْكِتَابُ بِمَعْنَى هَذَا الْكِتَابُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: لَا رَيْبَ فِيهِ.
هَذِهِ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ رُكِّبَتْ مَعَ «لَا» ، فَبُنِيَتْ عَلَى الْفَتْحِ.
وَالنَّكِرَةُ إِذَا كَانَتْ كَذَلِكَ فَهِيَ نَصٌّ فِي الْعُمُومِ، كَمَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ وَ «لَا» هَذِهِ الَّتِي هِيَ نَصٌّ فِي الْعُمُومِ هِيَ الْمَعْرُوفَةُ عِنْدَ النَّحْوِيِّينَ: «لَا» الَّتِي لِنَفْيِ الْجِنْسِ، أَمَّا «لَا» الْعَامِلَةُ عَمَلَ لَيْسَ فَهِيَ ظَاهِرَةٌ فِي الْعُمُومِ لَا نَصٌّ فِيهِ، وَعَلَيْهِ فَالْآيَةُ نَصٌّ فِي نَفْيِ كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الرَّيْبِ عَنْ هَذَا الْقُرْءَانِ الْعَظِيمِ، وَقَدْ جَاءَ فِي آيَاتٍ أُخَرَ مَا يَدُلُّ عَلَى وُجُودِ الرَّيْبِ فِيهِ لِبَعْضٍ مِنَ النَّاسِ، كَالْكُفَّارِ الشَّاكِّينَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا [2] .
وَكَقَوْلِهِ: وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ [9 45] .
وَكَقَوْلِهِ: بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ [44 \ 9] .
وَوَجْهُ الْجَمْعِ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْقُرْءَانَ بَالَغَ مِنْ وُضُوحِ الْأَدِلَّةِ وَظُهُورِ الْمُعْجِزَةِ مَا يَنْفِي تَطَرُّقَ أَيِّ رَيْبٍ إِلَيْهِ، وَرَيْبُ الْكُفَّارِ فِيهِ إِنَّمَا هُوَ لِعَمَى بَصَائِرِهِمْ، كَمَا بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى [13 \ 19] ، فَصَرَّحَ بِأَنَّ مَنْ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ الْحَقُّ أَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا جَاءَهُ مِنْ قِبَلِ عَمَاهُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ عَدَمَ رُؤْيَةِ الْأَعْمَى لِلشَّمْسِ لَا يُنَافِي كَوْنَهَا لَا رَيْبَ فِيهَا لِظُهُورِهَا:
إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَرْءِ عَيْنٌ صَحِيحَةٌ ... فَلَا غَرْوَ أَنْ يَرْتَابَ وَالصُّبْحُ مُسْفِرٌ
وَأَجَابَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: بِأَنَّ قَوْلَهُ: لَا رَيْبَ فِيهِ خَبَرٌ أُرِيدَ بِهِ