مُقْتَضَى الْأُصُولِ، وَعَلَيْهِ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ وَمَنْ وَافَقَهُ، وَخَالَفَ مَالِكٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَقَدَّمَ آيَاتَ الْإِطْلَاقِ، وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَجْرى عَلَى الْأُصُولِ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ الْآيَةَ.
هَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ بِظَاهِرِهَا عَلَى تَحْرِيمِ نِكَاحِ كُلِّ كَافِرَةٍ، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ [60 \ 10] ، وَقَدْ جَاءَتْ آيَةٌ أُخْرَى تَدُلُّ عَلَى جَوَازِ نِكَاحِ بَعْضِ الْكَافِرَاتِ وَهُنَّ الْحَرَائِرُ وَالْكِتَابِيَّاتُ وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ [5 \ 5] .
وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ الْكَرِيمَةَ تُخَصِّصُ قَوْلَهُ: وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ أَيْ مَا لَمْ يَكُنَّ كِتَابِيَّاتٍ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَحَكَى ابْنُ جَرِيرٍ الْإِجْمَاعَ عَلَى هَذَا.
وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ مِنْ إِنْكَارِهِ عَلَى طَلْحَةَ تَزْوِيجَ يَهُودِيَّةٍ وَعَلَى حُذَيْفَةَ تَزْوِيجَ
نَصْرَانِيَّةٍ، فَإِنَّهُ إِنَّمَا كَرِهَ نِكَاحَ الْكِتَابِيَّاتِ لِئَلَّا يَزْهَدَ النَّاسُ فِي الْمُسْلِمَاتِ، أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَعَانِي، قَالَهُ ابْنُ جَرِيرٍ.
قَوْلُهُ تَعَالَى. وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ الْآيَةَ.
هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ تَدُلُّ بِظَاهِرِهَا عَلَى أَنَّ كُلَّ مُطَلَّقَةٍ تَعْتَدُّ بِالْأَقْرَاءِ، وَقَدْ جَاءَ فِي آيَاتٍ أُخَرَ أَنَّ بَعْضَ الْمُطَلَّقَاتِ يَعْتَدُّ بِغَيْرِ الْأَقْرَاءِ، كَالْعَجَائِزِ وَالصَّغَائِرِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا بِقَوْلِهِ: وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ - إِلَى قَوْلِهِ - وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ [65 4] وَكَالْحَوَامِلِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا بِقَوْلِهِ: وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ [65 4] ، مَعَ أَنَّهُ جَاءَ فِي آيَةٍ أُخْرَى أَنَّ بَعْضَ الْمُطَلَّقَاتِ لَا عِدَّةَ عَلَيْهِنَّ أَصْلًا، وَهُنَّ الْمُطَلَّقَاتُ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ