بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قَوْلُهُ تَعَالَى: نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ الْآيَةَ.
أَسْنَدَ الْكَذِبَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ إِلَى نَاصِيَةِ هَذَا الْكَافِرِ، وَهِيَ مُقَدَّمُ شَعْرِ رَأْسِهِ، مَعَ أَنَّهُ أَسْنَدَهُ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ إِلَى غَيْرِ النَّاصِيَةِ كَقَوْلِهِ: إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ [16 \ 105] .
وَالْجَوَابُ ظَاهِرٌ، وَهُوَ أَنَّهُ هُنَا أَطْلَقَ النَّاصِيَةَ، وَأَرَادَ صَاحِبَهَا عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ فِي إِطْلَاقِ الْبَعْضِ وَإِرَادَةِ الْكُلِّ، وَهُوَ كَثِيرٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، وَفِي الْقُرْءَانِ، فَمِنْ أَمْثِلَتِهِ فِي الْقُرْءَانِ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ [111] ، يَعْنِي أَبَا لَهَبٍ، وَقَوْلُهُ: ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ [3 \ 182] يَعْنِي بِمَا قَدَّمْتُمْ. وَمِنْ ذَلِكَ تَسْمِيَةُ الْعَرَبِ الرَّقِيبَ عَيْنًا، وَقَوْلُهُ: «خَاطِئَةٍ» ،، لَا يُعَارِضُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ [33 \ 5] ، لِأَنَّ الْخَاطِئَ هُوَ فَاعِلُ الْخَطِيئَةِ أَوِ الْخِطْءِ بِكَسْرِ الْخَاءِ، وَكِلَاهُمَا الذَّنْبُ، كَمَا بَيَّنَهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا [71 \ 25] . وَقَوْلُهُ: إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا [17 \ 31] .
فَالْخَاطِئُ الْمُذْنِبُ عَمْدًا، وَالْمُخْطِئُ مَنْ صَدَرَ مِنْهُ الْفِعْلُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ، فَهُوَ مَعْذُورٌ.