وَمِنْهَا أَنَّهَا صِيغَةُ شَرْطٍ أُرِيدَ بِهَا ذَمُّ الْكُفَّارِ وَاسْتِبْعَادُ تَذَكُّرِهِمْ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
لَقَدْ أَسْمَعْتَ لَوْ نَادَيْتَ حَيًّا ... وَلَكِنْ لَا حَيَاةَ لِمَنْ تُنَادِي
وَمِنْهَا غَيْرُ ذَلِكَ.
وَالَّذِي يَظْهَرُ لِمُقَيِّدِ هَذِهِ الْحُرُوفِ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ، هُوَ بَقَاءُ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ عَلَى ظَاهِرِهَا، وَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ أَنْ يُكَرِّرَ لِذِكْرِي تَكْرِيرًا تَقُومُ بِهِ حُجَّةُ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ مَأْمُورٌ بِالتَّذْكِيرِ عِنْدَ ظَنِّ الْفَائِدَةِ، أَمَّا إِذَا عَلِمَ الْفَائِدَةَ فَلَا يُؤْمَرُ بِشَيْءٍ هُوَ عَالِمٌ أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ، لِأَنَّ الْعَاقِلَ لَا يَسْعَى إِلَى مَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ.
وَقَدْ قَالَ الشَّاعِرُ:
لِمَا نَافِعٌ يَسْعَى اللَّبِيبُ فَلَا تَكُنْ ... لِشَيْءٍ بَعِيدٍ نَفْعُهُ الدَّهْرَ سَاعِيًا
وَهَذَا ظَاهِرٌ وَلَكِنَّ الْخَفَاءَ فِي تَحْقِيقِ الْمَنَاطِ، وَإِيضَاحُهُ أَنْ يُقَالَ: بِأَيِّ وَجْهٍ يُتَيَقَّنُ عَدَمُ إِفَادَةِ الذِّكْرَى، حَتَّى يُبَاحَ تَرْكُهَا.
وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّهُ تَارَةً يَعْلَمُهُ بِإِعْلَامِ اللَّهِ بِهِ، كَمَا وَقَعَ فِي أَبِي لَهَبٍ، حَيْثُ قَالَ تَعَالَى فِيهِ: سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ وَامْرَأَتُهُ الْآيَةَ [111 \ 3 - 4] .
فَأَبُو لَهَبٍ هَذَا وَامْرَأَتُهُ لَا تَنْفَعُ فِيهِمَا الذِّكْرَى، لِأَنَّ الْقُرْءَانِ نَزَلَ بِأَنَّهُمَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ بَعْدَ تَكْرَارِ التَّذْكِيرِ لَهُمَا تَكْرَارًا تَقُومُ عَلَيْهِمَا بِهِ الْحُجَّةُ، فَلَا يَلْزَمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ عِلْمِهِ بِذَلِكَ أَنْ يُذَكِّرَهُمَا بِشَيْءٍ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ: فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى.
وَتَارَةً يَعْلَمُ ذَلِكَ بِقَرِينَةِ الْحَالِ، بِحَيْثُ يُبْلِغُ عَلَى أَكْمَلِ وَجْهٍ، وَيَأْتِي بِالْمُعْجِزَاتِ الْوَاضِحَةِ، فَيَعْلَمُ أَنَّ بَعْضَ الْأَشْخَاصِ عَالِمٌ بِصِحَّةِ نُبُوَّتِهِ، وَأَنَّهُ مُصِرٌّ عَلَى الْكُفْرِ عِنَادًا وَلَجَاجًا، فَمِثْلُ هَذَا لَا يَجِبُ تَكْرِيرُ الذِّكْرَى لَهُ دَائِمًا، بَعْدَ أَنْ تُكَرَّرَ عَلَيْهِ تَكْرِيرًا تَلْزَمُهُ بِهِ الْحُجَّةُ.