بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قَوْلُهُ تَعَالَى: فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ.
هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ فِيهَا التَّصْرِيحُ بِنَبْذِ يُونُسَ بِالْعَرَاءِ، عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَقَدْ جَاءَتْ آيَةٌ أُخْرَى يُتَوَهَّمُ مِنْهَا خِلَافُ ذَلِكَ وَهِيَ قَوْلُهُ: لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ الْآيَةَ [68 \ 49] .
وَالْجَوَابُ أَنَّ الِامْتِنَاعَ الْمَدْلُولَ عَلَيْهِ بِحَرْفِ الِامْتِنَاعِ الَّذِي هُوَ: «لَوْلَا» مُنْصَبٌّ عَلَى الْجُمْلَةِ الْحَالِيَّةِ لَا عَلَى جَوَابِ «لَوْلَا» .
وَتَقْرِيرُ الْمَعْنَى: لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ فِي حَالِ كَوْنِهِ مَذْمُومًا لَكِنَّهُ تَدَارَكَتْهُ نِعْمَةُ رَبِّهِ، فَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ غَيْرَ مَذْمُومٍ، فَهَذِهِ الْحَالُ عُمْدَةٌ لَا فَضْلَةٌ، أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفَضْلَةِ مَا لَيْسَ رُكْنًا فِي الْإِسْنَادِ، وَإِنْ تَوَقَّفَتْ صِحَّةُ الْمَعْنَى عَلَيْهِ، وَنَظِيرُهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ [44 38] ، وَقَوْلُهُ: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا الْآيَةَ [38 27] ، لِأَنَّ النَّفْيَ فِيهِمَا مُنْصَبٌّ عَلَى الْحَالِ لَا عَلَى مَا قَبْلَهُمَا.