عَلَى الْقَوْلِ بِثُبُوتِ الْقِصَّةِ، كَمَا هُوَ رَأْيُ الْحَافِظِ ابْنِ حَجَرٍ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي فَتْحِ الْبَارِي: إِنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ ثَبَتَتْ بِثَلَاثَةِ أَسَانِيدَ، كُلُّهَا عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحِ، وَهِيَ مَرَاسِيلُ يَحْتَجُّ بِمِثْلِهَا مَنْ يَحْتَجُّ بِالْمُرْسَلِ وَكَذَا مَنْ لَا يَحْتَجُّ بِهِ لِاعْتِضَادِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ لِأَنَّ الطُّرُقَ إِذَا كَثُرَتْ وَتَبَايَنَتْ مَخَارِجُهَا، دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ لَهَا أَصْلًا.
فَلِلْعُلَمَاءِ عَنْ ذَلِكَ أَجْوِبَةٌ كَثِيرَةٌ، مِنْ أَحْسَنِهَا وَأَقْرَبِهَا، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُرَتِّلُ السُّورَةَ تَرْتِيلًا تَتَخَلَّلُهُ سَكَتَاتٌ فَلَمَّا قَرَأَ: وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى، قَالَ الشَّيْطَانُ لَعَنَهُ اللَّهُ مُحَاكِيًا
لِصَوْتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تِلْكَ الْغَرَانِيقُ الْعَلَا إلخ. . . فَظَنَّ الْمُشْرِكُونَ أَنَّ الصَّوْتَ صَوْتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ بَرِيءٌ مِنْ ذَلِكَ بَرَاءَةَ الشَّمْسِ مِنَ اللَّمْسِ.
وَقَدْ بَيَّنَّا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بَيَانًا شَافِيًا فِي رِحْلَتِنَا، فَلِذَلِكَ اخْتَصَرْنَاهَا هُنَا، فَظَهَرَ أَنَّهُ لَا تَعَارُضَ بَيْنَ الْآيَاتِ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.