كَمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا.
قَوْلُهُ تَعَالَى: الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ.
هَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ بِظَاهِرِهَا عَلَى أَنَّ الظَّنَّ يَكْفِي فِي أُمُورِ الْمَعَادِ، وَقَدْ جَاءَتْ آيَاتٌ أُخَرُ تَدُلُّ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا [10 \ 36] وَكَقَوْلِهِ: إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ [2 \ 78] وَوَجْهُ الْجَمْعِ أَنَّ الظَّنَّ بِمَعْنَى الْيَقِينِ وَالْعَرَبُ تُطْلِقُ الظَّنَّ بِمَعْنَى الْيَقِينِ وَمَعْنَى الشَّكِّ، وَإِتْيَانُ الظَّنِّ بِمَعْنَى الْيَقِينِ كَثِيرٌ فِي الْقُرْءَانِ وَفِي كَلَامِ الْعَرَبِ. فَمِنْ أَمْثِلَتِهِ فِي الْقُرْءَانِ هَذِهِ الْآيَةُ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ. . . . . . الْآيَةَ [2 \ 249] ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا [18 \ 53] ، أَيْ أَيْقَنُوا، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ [69 \ 20] ، أَيْ أَيْقَنْتُ.
وَنَظِيرُهُ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ قَوْلُ عُمَيْرَةَ بْنِ طَارِقٍ:
بِأَنْ تَغْتَرُوا قَوْمِي وَأَقْعُدَ فِيكُمُ ... وَأَجْعَلَ مِنِّي الظَّنَّ غَيْبًا مُرَجَّمَا
أَيْ أَجْعَلُ مِنِّي الْيَقِينَ غَيْبًا.
وَقَوْلُ دُرَيْدِ بْنِ الصِّمَّةِ:
فَقُلْتُ لَهُمْ ظُنُّوا بِأَلْفَيْ مُدَجَّجٍ ... سَرَاتُهُمُ فِي الْفَارِسِيِّ الْمُسَرَّدِ
فَقَوْلُهُ: ظُنُّوا أَيْ أَيْقِنُوا.
قَوْلُهُ تَعَالَى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ.
لَا يُعَارِضُ قَوْلَهُ تَعَالَى فِي تَفْضِيلِ هَذِهِ الْأُمَّةِ: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ الْآيَةَ [3 \ 110] ، لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَالَمِينَ عَالَمُو زَمَانِهِمْ بِدَلِيلِ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ الْمُصَرِّحَةِ بِأَنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ أَفْضَلُ مِنْهُمْ، كَحَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ الْقُشَيْرِيِّ فِي الْمَسَانِيدِ وَالسُّنَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنْتُمْ تُوفُونَ سَبْعِينَ أُمَّةً أَنْتُمْ خَيْرُهَا