فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ

[2 \ 217] ، وَكَقَوْلِهِ فِي كُفْرِ غَيْرِ الْمُرْتَدِّ: إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ - إِلَى قَوْلِهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ [3 \ 22] ، وَبَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى فِي آيَاتٍ أُخَرَ أَنَّ الْإِنْعَامَ عَلَيْهِمْ فِي الدُّنْيَا لَيْسَ لِلْإِكْرَامِ بَلْ لِلِاسْتِدْرَاجِ وَالْإِهْلَاكِ.

كَقَوْلِهِ تَعَالَى: سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ [7 \ 182 - 183] ، وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ [3 \ 178] وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ [6 \ 44] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَا يَشْعُرُونَ [23 - 56] ، وَقَوْلِهِ: قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا [19] ، وَقَوْلِهِ: وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً - إِلَى قَوْلِهِ - وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ [43 33 - 35] ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.

وَالْجَوَابُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ:

الْأَوَّلُ: وَيَظْهَرُ لِي صَوَابُهُ لِدَلَالَةِ ظَاهِرِ الْقُرْآنِ عَلَيْهِ، أَنَّ مِنَ الْكُفَّارِ مَنْ يُثِيبُهُ اللَّهُ بِعَمَلِهِ فِي الدُّنْيَا كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ آيَاتٌ وَصَحَّ بِهِ الْحَدِيثُ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُثِيبُهُ فِي الدُّنْيَا كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ آيَاتٌ أُخَرُ، وَهَذَا مُشَاهَدٌ فِيهِمْ فِي الدُّنْيَا.

فَمِنْهُمْ مَنْ هُوَ فِي عَيْشٍ رَغْدٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ هُوَ فِي بُؤْسٍ وَضِيقٍ.

وَوَجْهُ دَلَالَةِ الْقُرْآنِ عَلَى هَذَا أَنَّهُ تَعَالَى أَشَارَ إِلَيْهِ بِالتَّخْصِيصِ بِالْمَشِيئَةِ فِي قَوْلِهِ:

مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ [17 \ 18] .

فَهِيَ مُخَصِّصَةٌ لِعُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى: نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ [11 \ 15] ، وَعُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا [42 \ 20] .

وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِأَنَّهَا مُخَصِّصَةٌ لَهُمَا الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي فَتْحِ الْبَارِي فِي كِتَابِ الرِّقَاقِ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِ الْبُخَارِيِّ: " بَابُ الْمُكْثِرُونَ هُمُ الْمُقِلُّونَ "،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015