بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

سُورَةُ الْأَنْفَالِ

قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ الْآيَةَ.

هَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنْ وَجَلَ الْقُلُوبِ عِنْدَ سَمَاعِ ذِكْرِ اللَّهِ مِنْ عَلَامَاتِ الْمُؤْمِنِينَ.

وَقَدْ جَاءَ فِي آيَةٍ أُخْرَى مَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافَ ذَلِكَ وَهِيَ قَوْلُهُ: الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [13 \ 28] .

فَالْمُنَافَاةُ بَيْنَ الطُّمَأْنِينَةِ وَوَجَلِ الْقُلُوبِ ظَاهِرَةٌ.

وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا أَنَّ الطُّمَأْنِينَةَ تَكُونُ بِانْشِرَاحِ الصَّدْرِ بِمَعْرِفَةِ التَّوْحِيدِ، وَالْوَجَلُ يَكُونُ عِنْدَ خَوْفِ الزَّيْغِ وَالذَّهَابِ عَنِ الْهُدَى، كَمَا يُشِيرُ إِلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ [39 \ 23] ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا الْآيَةَ [13 \ 8] .

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ [23 \ 60] .

قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ الْآيَةَ.

هَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ بِظَاهِرِهَا عَلَى أَنَّ الِاسْتِجَابَةَ لِلرَّسُولِ الَّتِي هِيَ طَاعَتُهُ لَا تَجِبُ إِلَّا إِذَا دَعَانَا لِمَا يُحْيِينَا، وَنَظِيرُهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ [60 \ 12] .

وَقَدْ جَاءَ فِي آيَاتٍ أُخَرَ مَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ اتِّبَاعِهِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ، قَوْلُهُ: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [59 \ 7] ، وَقَوْلُهُ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ

الْآيَةَ [3 \ 31] . وَقَوْلُهُ: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ [4 \ 80] .

وَالظَّاهِرُ أَنَّ وَجْهَ الْجَمْعِ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، أَنَّ آيَاتِ الْإِطْلَاقِ مُبَيِّنَةٌ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَدْعُونَا إِلَّا لِمَا يُحْيِينَا مِنْ خَيْرَيِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، فَالشَّرْطُ الْمَذْكُورُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015