سيما عن الأصلين الشريفين: القرآن الكريم، والأحاديث النبوية لأنهم يعتقدون أنهم لا يتم لهم ما يريدون من تملك البلاد الإسلامية والعربية والانتفاع بخيراتها ومواردها إلا عن طريق إضعاف فريضة الجهاد في نفوسهم، وفي القرآن الكريم، والأحاديث النبوية من النصوص المتكاثرة ما يزكي روح الجهاد والمقاومة في نفوسهم، وإذا ما قَلَّتْ الثقة بهذين الأصلين الشريفين فقد فترت فيهم فريضة الجهاد وسهل على الأعداء تملك البلاد والعباد، وهذا ما كان فإن الغرب لم يتمكن من «الاستخراب» في البلاد الإسلامية والعربية إلا لما ضعف فيهم فريضة الجهاد، وانصرفوا عنها إلى الحرث والزرع. والاشتغال عنه بأمور الدنيا، روى الإمام البخاري في " صحيحه " بسنده عَنْ أَبِي أُمَامَةَ البَاهِلِيِّ، قَالَ: - وَرَأَى سِكَّةً (?) وَشَيْئًا مِنْ آلَةِ الحَرْثِ -، فَقَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لاَ يَدْخُلُ هَذَا بَيْتَ قَوْمٍ إِلاَّ أَدْخَلَهُ اللَّهُ الذُّلَّ» (?) والحديث لا ينهى المسلمين عن الاشتغال بالحرث والزراعة، وكيف؟ وفي الأحاديث الصحيحة ما يرد هذا الفهم؟ وفي " الصحيحين " وغيرهما - واللفظ للبخاري - عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا، أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا، فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ، إِلاَّ كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ».
وإنما يريد النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بهذا الحديث الذين ينصرفون عن الجهاد إلى الاشتغال بالحرث والزرع وغيرها من أمور الدنيا، وصدق رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فإن المسلمين ما تمكن منهم أعداؤهم إلا لما ضعفت فيهم روح الجهاد وحب الاستشهاد في سبيل الله، وانصرفوا عنه إلى الاشتغال بغيره، وقد كان أصحاب رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من المهاجرين والأنصار يشتغلون بالعمل في تجاراتهم، أو زراعاتهم وبساتينهم، لكن قلوبهم كانت دائما مشدودة إلى الجهاد فإذا دعا داعي الجهاد لَبُّوا سِرَاعًا ولا يلوون على شيء من أهل أو ولد أو دار، أو مال.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مِنْ خَيْرِ مَعَاشِ النَّاسِ