فأخرجه أبو بكر من بعده فعمل به حتى توفي، ثم أخرجه عمر من بعده فعمل به، وفيها تفصيلات محددة لزكاة الإبل والبقر والغنم، وهكذا أصبح مطلق التصدق لوجه الله محدودًا بشكل خاص هو الزكاة بقيودها، وتفصيلاتها، وجرى الناس عند أداء الزكاة المفروضة في القرآن على قواعد فقهية خاصة محدودة بالنسبة للنصاب، وما يؤخذ منه ومن يستحق ذلك من الناس أقول: وقد مر مؤلف هذا الكتاب - عَفَا اللهُ عَنَّا وَعَنْهُ - بهذا الكلام المتهافت، ولم يفند منه كلمة، وسكوته في مثل هذا يعتبر رضا بما ذكر هذا المستشرق المشكك، ووجود مثل هذا في كتاب رجل مسلم، بل وعالم أزهري أدعى إلى قبوله من الناشئة وطلاب العلم المبتدئين وإلى زيادة التشكيك في الأحاديث التي حددت أنصبة الزكاة ومقدار المخرج منها تحديدًا دقيقًا يدل على أنه بوحي من الله، إذ لم يكن النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من أهل الحساب، وقد نشأ في أمة أمية لا تكتب ولا تحسب - كما في الحديث الصحيح - فتبين أن يكون هذا بوحي من الله - تَبَارَكَ وَتَعَالَى -.
والجواب:
[1] من أين لهذا الباحث المستشرق المشكك أن الأحاديث الدالة على قيم الزكاة وأنصبتها تناقض الحقائق التاريخية، وكنا نحب من الباحث أو صاحب الكتاب الناقل لكلامه أن يرشدنا إلى المرجع في ذلك، وإذا لم نعتمد على الروايات الحديثية في الحقائق التاريخية فعلى أي الروايات نعتمد والمؤرخون؟ القدماء من أمثال الطبري مع مجاراتهم للمحدثين في ذكر الأسانيد للروايات التاريخية فإنهم لم يدققوا في المرويات تدقيق المحدثين ولم يدانوهم في هذا، وهذا أمر يشهد له الواقع وأعجب من ذلك أن هذا الباحث جعل كون الصحابة يزكون كل على حسب طاقته، ولم يكن هناك أمر مضبوط من المُسَلَّمَاتِ، وهو تهجم من غير علم، ومجازفة في القول من غير دليل، ولئن صح أن كلاً كان يزكي على حسب طاقته فقد كان ذلك في أول الأمر ثم لم يلبث الأمر إلا قليلا ثم فصل في القرآن مصارف الزكاة، وفصل كل ما يتعلق بالزكاة في السنن والأحاديث الصحيحة والحسنة المتكاثرة التي لا يحصيها العد، فَالسُنَّةُ هي الأصل الثاني من أصول التشريع، وهي التي فسرت القرآن