من العدل إلا وله هنات، ثم مَنْ مِنَ الحكام والأمراء من يكون مَرْضِيًّا عنه غاية الرضا من كل الرعية؟! والناس شأنهم كما قال الله: {فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ} (?).

والمراد بإعطائهم حقهم، أن يعطوهم ما ألزمهم به الشارع الحكيم نحوهم من حق خاص أو عام، كحق الزكاة والخروج في الجهاد، والإنفاق في سبيل الله، وتمكينهم من تنفيذ الأحكام، وإقامة الحدود، والسمع والطاعة لهم ما لم يروا كُفْرًا بَوَاحًا عندهم من الله فيه برهان، والمراد بقوله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " وَالعَدْلَ وَتَسْأَلُونَ اللهَ الذِي لَكُمْ " أي تسألون الله - عَزَّ وَجَلَّ - أن يوفي الحق الذي لكم من الغنيمة والفيء، ونحوهما مما هو من حقوق الرعية على الراعي، ولا تقاتلوهم لاستيفاء حقكم، وكلوا أمرهم، إلى الله، وسينتصر الله تعالى لكم، ويقضي عليهم.

وهذا المعنى الذي أراده النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من الحديث غير المعني الذي أراد السيد المسيح - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من قوله: «أُعْطُوا مَا لِقَيْصَرَ لِقَيْصَرَ، وَمَا للهِ للهِ» (?). ولو سلمنا أنه هو فليس بلازم أن يكون مأخوذا منه، فكل من نبينا محمد - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - والسيد المسيح - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - نبي يوحى إليه من ربه، ويكون من الأمور التي توافقت فيها الشرائع وبحسبنا ما ذكرته آنفا في هدم الأساس الذي بنى عليه " جولدتسيهر " دعاواه، وادعاءاته وأما حديث «يَدْخُلُ فُقَرَاءُ أُمَّتِي الْجَنَّةَ قَبْلَ أَغْنِيَائِهَا بِخَمْسِمِائَةِ عَامٍ» فقد رواه الإمام أحمد والترمذي، وابن ماجه عن أبي هريرة عن النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقد قال فيه الترمذي: حديث حسن صحيح، وقد قلت: إنه من الجائز جِدًّا أن تتوافق بعض الشرائع في مثل هذا وهو تكريم الفقراء، وبيان فضلهم، وذلك بشرط إيمانهم وصلاحهم، وتقواهم، واستقامتهم وتحملهم الشدائد، وصبرهم على المكاره، وإلا فالأغنياء الشاكرون مقدمون عليهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015