وفيما قدمته في عدالة الصحابة ما بين الحق من الباطل في هذا، وقد بينت غير مرة أن المنافقين الذين كشف الله ورسوله سترهم، ووقف المسلمون على حقيقة أمرهم، والمرتدين الذين ارتدوا في حياة النَّبِيِّ وبعد وفاته، ولم يتوبوا ويرجعوا إلى الإسلام وماتوا على ردتهم هم بمعزل من شرف هذه الصحبة وبالتالي بمعزل عن أن يكونوا من المرادين بقول جمهور العلماء والأئمة إنهم عدول، وفي تعريف العلماء للصحبة ما ينفي عنها هؤلاء وأولئك وكذلك بينت غير مرة أن العدالة شيء، والعصمة شيء آخر والذين قالوا إن الصحابة عدول لم يقولوا قط أنهم معصومون من المعاصي ولا من الخطأ والسهو والنسيان، وإنما أرادوا أنهم لا يتعمدون كَذِبًا على رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى الذين حُدُّوا فِي حَدٍّ أو اقترفوا إِثْمًا تابوا أو لابسوا الفتن والحروب ما كانوا ليتعمدوا الكذب على رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ومِمَّا ينبغي أن يعلم أن الذين قارفوا إِثْمًا ثم حُدُّوا هُمْ قلة نادرة جِدًّا لا ينبغي أن يغلب شأنهم وحالهم على حال الألوف المُؤَلَّفَةِ من الصحابة الذين ثبتوا على الجادة والصراط المستقيم، وجانبوا المآثم والمعاصي ما كبر منها وما صغر، وما ظهر وما بطن، والتاريخ الصادق أكبر شاهد على هذا.
وهؤلاء الذين اتخذهم الطاعنون في عدالة الصحابة ذريعة لطعنهم بعضهم لا تعرف له رواية وبعضهم لم يعرف له إِلاَّ الحديث والحديثان والثلاثة، ومروياتهم معروفة وثابته من رواية غيرهم، فلا يتوقف على رواياتهم شيء من أصول الدين وفروعه، مِمَّا يجعل الباحث المُتَثَبِّتَ مُطْمَئِنًّا إلى ما ذهب إليه جمهور العلماء في عدالة الصحابة، وليس أدل على هذا من أنَّ بُسْرَ بْنَ أَرْطَاةَ - وهو مختلف في صحبته - الذي عرض له الشيخ المقبلي والسيد محمد رشيد رضا في كلاميهما ليس له إِلاَّ حديث في " سنن أبي داود " في عدم قطع الأيدي في السفر، وحديث آخر في الدعاء، ففي " صحيح ابن حبان " أنه سمع النَّبِيَّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «اللَّهُمَّ أَحْسِنْ عَاقِبَتَنَا فِي الأُمُورِ كُلِّهَا وَأَجِرْنَا مِنْ خِزْيِ الدُّنْيَا، وَعَذَابِ الآخِرَةِ» (?).