أن قال: فالبخاري ترجح عنده صدقه فهو يروي له في " صحيحه " كثيرًا ومسلم ترجح عنده كذبه فلم يرو له إِلاَّ حديثًا واحدًا في الحج ولم يعتمد عليه وحده وإنما ذكره تقوية لحديث سعيد بن جبير في الموضوع نفسه.
وهذا الكلام فيه حق وفيه باطل، أما أنهم اختلفوا في أسباب الجرح والتعديل فهذا مِمَّا لا ننكره ولكن لا ينبغي أن تتخذ من هذا الاختلاف وسيلة لتعذر الحُكْمِ على الرجال، وهم وإن اختلفوا في بعض الأسباب فقد اتفقوا في كثير منها لماذا ينقم على المتشددين في الجرح والمتزمتين فيه؟ وهما لا يؤديان إِلاَّ إلى التحوط البالغ في الرواية وهو أمر لا يضر ولو أنهم تساهلوا لكان أول من يأخذ على المُحَدِّثِينَ ذلك، ومن أراد أن يعرف الحق في هذا فليرجع إلى مقدمة " فتح الباري " (?) لابن حجر وقد عرض الحافظ ابن حجر في المقدمة لما قيل في عكرمة - له أو عليه - بما لا مزيد عليه مُبَيِّنًا أن من رماه بالكذب إنما أراد الخطأ، والكذب يطلق في لغة أهل الحجاز ويراد به الخطأ، وليس أدل على ذلك من أنه لو كان المراد بالكذب حقيقة لَمَا خَرَّجَ لَهُ مسلم هذا الحديث الواحد إذ الكذاب تحرم الرواية عنه وهذا موضع اتفاق بين المُحَدِّثِينَ، وبعد أن ذكر الحافظ شُبَهَ الطاعنين في عكرمة والإجابة عنها خلص من ذلك إلى أنه ثقة وكفى توثيق البخاري له ومن أراد الاستزادة فليرجع إلى مقدمة " الفتح " (?) ليرى كيف يكون البحث المتئد البصير في نقد الرجال.
في [ص 277 - 279] نقل كلامًا للسيد محمد رشيد رضا - رَحِمَهُ اللهُ - وفي هذا الكلام الحق والباطل، والجيد والرَدِّيء ولسنا نعبد أشخاصًا وإنما نخضع للحق أينما كان، وإني لأُذَكِّرُ المؤلف بكلمة الإمام الجليل مالك بن أنس: «كُلُّ أَحَدٍ يُؤْخَذُ مِنْهُ وَيُرَدُّ عَلَيْهِ إِلاَّ صَاحِبُ هَذَا القَبْرِ» يريد النَّبِيَّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.