أو الواقعة رُوِيَتْ بألفاظ مختلفة وإنْ كان المعنى واحداً؟ ولا نقول: إنَّ الأحاديث كلها رُوِيَتْ بالمعنى - كما زعم - وكيف ومن الأحاديث ما اتفقت الروايات على لفظها؟ أفلا يدل اتفاق الروايات على اللفظ أنَّ هذا حقيقة اللفظ المسموع من الرسول؟ ومن الأحاديث ما لا يشك متذوق للبلاغة أنها من كلام أفصح العرب، وأنها لن تخرج إِلاَّ من مشكاة النبوَّة، ومن قبل أدرك أئمة في اللغة والبيان هذه الحقيقة فألَّفُوا الكتب في البلاغة النبوية.

ومِمَّا ينبغي التنبه إليه أنَّ أكثر ما ترد الرواية باللفظ في الأحاديث القصيرة، على أنَّ وُرُودَ الرواية بالمعنى في الأحاديث الطويلة إنما تكون في الكلمة والكلمتين والثلاث، وقلَّما تكون الرواية بالمعنى في جميع ألفاظ الحديث، وهذا شيء نقوله عن دراسة واستقراء، وليس أدل على ذلك من أنَّ حديث «بدء الوحي» المروي عن السيدة عائشة في " الصحيحين " وغيرهما - وهو من الأحاديث الطويلة - لا تكاد تجد الرُواة اختلفوا فيه إِلاَّ في بعض ألفاظ قليلة نادرة، وبحسبنا هذا الآن، وعند مناقشته في بحث الرواية بالمعنى الذي عقده في كتابه سأفيض في الرَدِّ عليه، وسأبيِّن أنَّ بعض ما استدل به هو دليل عليه لا له، وإليك ما قال في هذا الشأن إمام من أئمة الحديث - غير مدافع - وهو الحافظ ابن حجر قال: «ومن أمثلة جوامع الكلم من الأحاديث النبوية حديث عائشة «كُلُّ عَمَلٍ لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا، فَهُوَ رَدٌّ»، وحديث: «كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ» متفق عليهما، وحديث أبي هريرة: «وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» وحديث المقداد: «مَا مَلأََ ابْنُ آدَمَ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنِهِ» الحديث أخرجه الأربعة وَصَحَّحَهُ ابن حِبَّان والحاكم، إلى غير ذلك مِمَّا (يكثر) بالتتبع، وإنما يسلم ذلك فيما لم تتصرف الرُواة في ألفاظه، والطريق إلى معرفة ذلك أنْ تقل مخارج الحديث وتتفق ألفاظه (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015