وتعمد ترك بعض الآيات القرآنية التي تبين منزلة السُنَّةِ من القرآن، وتحض على اتِّبَاعِ السُنَّةِ وأن لا غنى للأئمة عنها كما لا غنى لها عن القرآن الذي هو أصل الدين وذلك مثل قوله سبحانه: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} (?) {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} (?) {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (?).
ثم صار يتصيد بعض أحاديث وأقوال للأئمة يوهم ظاهرها أن لا حاجة لنا إلى السنن والأحاديث بعد كتاب الله، بلغ أمره أن قال: إن سنة الرسول هي المتواترة، وهي السنن العملية، أما إطلاقها على ما يشمل الأحاديث فاصطلاح حادث.
وهو جهل فاضح لا يجهله الطالب المبتدئ ولو قصرنا السُنَّةَ على المتواترة العملية لفرطنا في آلاف الأحاديث القولية التي نقلت عن الرسول - صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ - في الأحكام والأخلاق والمواعظ وإطلاق الأحاديث وإرادة السنن، وإطلاق السنن وإرادة الأحاديث ليس اصطلاحًا حادثًا كما زعم وإنما هو أمر معروف في الصدر الأول، فهذا هو عمر بن عبد العزيز يكتب إلى عامله على المدينة أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم «انْظُرْ مَا كَانَ مِنْ حَدِيثِ رَسُولِ اللهِ فَاجْمَعْهُ ... » فهل كان خامس الراشدين عمر يريد بالأحاديث ما عدا السنن العملية؟ وماذا يقول المؤلف فيما رواه البيهقي في " المدخل " عَنْ عُرْوَةَ «أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ السُّنَنَ فَاسْتَشَارَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَشَارُوا عَلَيْهِ أَنْ يَكْتُبَهَا» ... الحديث، فهل كان الفاروق عمر يريد بالسنن السنن العملية فحسب؟ الحق أن لا، لأن السنن العملية - كما قلت - ثابته بالتواتر الفعلي فهي إِذًا ليست في حاجة إلى الكتابة والتقييد.
وإنما أراد الفاروق بالسنن ما يعم القولية والعملية، وقد أكثر المؤلف في خاتمة كتابه من ذكر استنتاجات جعلها بمنزلة القواعد الكلية