إِلاَّ اِغْتَسَلْتُ قَبْلَ ذَلِكَ وَصَلَّيْتُ رَكْعَتَيْنِ» وذلك كي يجتمع له الاطمئنان القلبي والاستلهام الروحي إلى الاجتهاد العلمي والبحث العقلي، وليس أدل على ما بذله من جهد وتنقيح وغربلة للأحاديث حتى جاء كتابه في غاية الصحة من قوله: «جَمَعْتُ كِتَابِي هَذَا مِنْ سِتِّمِائَةِ أَلْفَ حَدِيثٍ» وقد استفاض واشتهر أن البخاري لم يمت إِلاَّ بعد أن حَدَّثَ بصحيحه الكثيرين من تلاميذه وأنهم تسابقوا في كتابة أصله الذي بالغ في التحري في جمع أحاديثه حتى وصل إلينا كما تركه.
في [ص 276] ذكر كَلاَمًا عن الأستاذ أحمد أمين وخلاصته اختلاف علماء الجرح والتعديل اختلافًا بَيِّنًا في قواعد الجرح والتعديل وأسبابهما وأن بعضهم تشدد فلم يرو أحاديث من اتصل بالولاة وأن بعضهم تزمت فرد أحاديث الرجل لمزحة مزحها وأنهم اختلفوا تَبَعًا لذلك في الحُكْمِ على الأشخاص اختلافًا كثيرًا وَمَثَّلَ لذلك بعكرمة مولى ابن عباس فقد ملأ الدنيا حديثًا وتفسيرًا ومع هذا رماه بعضهم بالكذب وبأنه يرى رأي الخوارج وبأنه يقبل جوائز الأمراء وَرَوَوْا عن كذبه شيئًا كثيرًا ... إلى أن قال: فالبخاري ترجح عنده صدقه فهو يروي له في " صحيحه " كثيرًا ومسلم ترجح عنده كذبه فلم يرو له إِلاَّ حديثًا واحدًا في الحج ولم يعتمد عليه وحده وإنما ذكره تقوية لحديث سعيد بن جبير في الموضوع نفسه.
وهذا الكلام فيه حق وفيه باطل، أما أنهم اختلفوا في أسباب الجرح والتعديل فهذا مِمَّا لا ننكره ولكن لا ينبغي أن تتخذ من هذا الاختلاف وسيلة لتعذر الحُكْمِ على الرجال، وهم وإن اختلفوا في بعض الأسباب فقد اتفقوا في كثير منها لماذا ينقم على المتشددين في الجرح والمتزمتين فيه؟ وهما لا يؤديان إِلاَّ إلى التحوط البالغ في الرواية وهو أمر لا يضر ولو أنهم تساهلوا لكان أول من يأخذ على المُحَدِّثِينَ ذلك، ومن أراد أن يعرف