التابعين، وأنه أخذ صفة العموم في أواخر عصر التابعين، ولم يزل يقوى ويشتد حتى بلغ عنفوانه واستوى على سوقه في القرن الثالث الهجري خاتمة القرون الثلاثة المشهود لها بالخيرِيَّةَ، خيرِيَّةَ الإيمان والعلم والعمل، والهُدَى والفلاح والاستقامة على الجادة.
لعل ما يتميَّز به أئمة العلم في الإسلام، ولا سيما أئمة الحديث وجامعوه كثرة الارتحال، وملازمة الأسفار، وقد جَرَوْا في ذلك على سُنَنِ الصحابة والتابعين لهم بإحسان، لقد كان الواحد منهم يبلغه الحديث بطريق الرُواة الثقات فلا يكتفي بهذا، بل يرحل الأيام والليالي حتى يأخذ الحديث عمَّنْ رواه بلا واسطة، وقد ثبت في " صحيح البخاري " تعليقاً بصفة الجزم أنَّ جابر بن عبد الله الأنصاري رحل مسيرة شهر إلى عبد الله بن أُنَيْسٍ (?) في حديث واحد، والقصة بتمامها - كما أخرجها البخاري في: " الأدب المفرد " وأحمد وأبو يعلى في " مُسْنَدَيْهِمَا " - من طريق عبد الله بن محمد بن عقيل أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: «بلغني عن رجل حديث سمعه من رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فاشتريت بعيراً، ثم شددت رحلي فَسِرْتُ إليه شهراً حتى قدمت الشام فإذا عبد الله بن أُنَيْسٍ»، فقلت للبوَّاب: «قل له: جابر على الباب»، فقال: «ابن عبد الله؟» قلت: «نعم»، فخرج فاعتنقني فقلتُ: «حديث بلغني عنك أنك سمعته من رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -فخشيت أنْ أموت قبل أنْ أسمعه» فقال: «سمعت رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «يَحْشُرُ اللَّهُ النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عُرَاةً ... » الحديث.
وَرُوِيَ عن جابر أيضاً أنه قال: «كان يبلغني عن النَّبِي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حديث في القِصَاصِ، وكان صاحب الحديث بمصر فاشتريت بعيراً فَسِرْتُ حتى وردت مصر فقصدت إلى باب الرجل فذكر نحو القصة الأولى».