تفوق الحصر، والتي لولا بيان السُنَّة لها لاستعجم علينا القرآن وتعذَّر فهمه وتدبُّره، وقد كان الصحابة ومن جاء بعدهم يعلمون هذه الحقيقة.
روى ابن المبارك عن عمران بن حصين أنه قال لرجل: «إنك رجل أحمق أتجد الظهر في كتاب الله أربعاً لا يجهر فيها بالقراءة، ثم عَدَّدَ عليه الصلاةً والزكاةً ونحو هذا، ثم قال: أتجده في كتاب الله مفسَّراً؟ إنَّ كتاب الله أبهم هذا وإنَّ السُنَّة تُفَسِّرُهُ». وروى الأوزاعي عن حسان بن عطية قال: كان الوحي ينزل على رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ويحضره «جبريل» بالسُنَّة التي تُفَسِّرُ ذلك.
وعن مكحول قال: «القرآن أحوج إلى السُنَّة من السُنَّة إلى القرآن». وقال الإمام أحمد: «إن السُنَّة تُفَسِّرُ الكتاب وتُبَيِّنُهُ»
وقد تستقل السُنَّة بالتشريع أحياناً وذلك كتحريم الجمع بين المرأة وعمَّتها أو خالتها، وتحريم سائر القرابات من الرضاعة - عدا ما نص عليه في القرآن - إلحاقاً لهن بالمحرَّمات من النسب، وتحريم كل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير، وتحليل ميتة البحر، والقضاء باليمين مع الشاهد إلى غير ذلك من الأحكام التي زادتها السُنَّة عن الكتاب (?).
وقد اتفق العلماء الذين يعتد بهم على حُجية السُنَّة، سواء منها ما كان على سبيل البيان أو على سبيل الاستقلال، قال الإمام الشوكاني: «إنَّ ثبوت حُجية السُنَّة المطهَّرة واستقلالها بتشريع الأحكام ضرورة دينية، ولا يخالف في ذلك إِلاَّ مَنْ لا حظ له في الإسلام» (?).