في " المستدرك " (?): أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ قَالَ: «كُنْتُ أَنَا وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَآخَرٌ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: ادْعُوا فَدَعَوْتُ أَنَا وَصَاحِبِي، وَأَمَّنَ النَّبِيُّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ دَعَا أَبُو هُرَيْرَةَ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مَا سَأَلَكَ صَاحِبَايَ، وَأَسْأَلُكَ عِلْمًا لاَ يُنْسَى، فَأَمَّنَ النَّبِي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْنَا: وَنَحْنُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَقَالَ: سَبَقَكُمَا بِهَا الغُلاَمُ الدَّوْسِيُّ» وخرج البخاري في " التاريخ " من حديث محمد بن عمارة بن حزم: «أَنَّهُ قَعَدَ فِي مَجْلِسٍ فِيهِ مَشْيَخَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ بِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلاً، فَجَعَلَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُهُمْ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالحَدِيثِ فَلاَ يَعْرِفُهُ بَعْضُهُمْ فَيُرَاجِعُونَ فِيهِ حَتَّى يَعْرِفُوهُ ... فَعَلَ ذَلِكَ مِرَارًا، فَعَرَفْتُ يَوْمَئِذٍ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَحْفَظَ الصَّحَابَةِ».
وَمِمَّا يدل على حفظه أيضا ما ذكره الحافظ ابن حجر في " الإصابة "، قَالَ أَبُو الزُّعَيْزِعَةِ كَاتِبُ مَرْوَانَ: «أَرْسَلَ مَرْوَانُ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ فَجَعَلَ يُحَدِّثُهُ، وَكَانَ أَجْلَسَنِي خَلْفَ السَّرِيرِ أَكْتُبُ مَا يُحَدِّثُ بِهِ، حَتَّى إِذَا كَانَ فِي رَأْسِ الحَوْلِ أَرْسَلَ إِلَيْهِ فَسَأَلَهُ وَأَمَرَنِي أَنْ أَنْظُرَ، فَمَا غَيَّرَ حَرْفًا عَنْ حَرْفٍ»، وقد عرف هذه الخصيصة لأبي هريرة الصحابة ومن جاء بعدهم من الأئمة، فهذا ابن عمر يقول: «إِنْ كُنْتَ لأَلْزَمَنَا لِرَسُولِ اللهِ وَأَعْرَفَنَا بِحَدِيثِهِ» وهذا هو إمام الأئمة الشافعي يقول: «أَبُو هُرَيْرَة أَحْفَظ مَنْ رَوَى الْحَدِيث فِي عَصْره» فكيف بعد هذا يجوز أن نتخذ من كثرة روايته وحفظه للحديث - حتى نشر منه ما لم ينشر غيره - بَابًا للطعن عليه في صدقه وأمانته؟ فالإكثار من الرواية مرجعه إلى طول الملازمة وعدم الشواغل الدنيوية، وقلة تكاليف الحياة والتفرغ للعلم والتعليم والفتيا، وعدم الاشتغال بشؤون الحُكْمِ والسياسة وتأخر الوفاة، وليس مرجعه إلى الفضل والمنزلة في الدين كما حاول المؤلف في صدر كلامه عن أبي هريرة أن يربط بينهما، ألا ترى إلى الخلفاء الثلاثة - على منزلتهم في الدين، ومكانتهم في الفضل ولصوقهم برسول الله لم يكن لهم من التفرغ للعلم، والتخلي عن شؤون