فمِن الحكمة والفقه السماحة في مجال اختلاف الأساليب والطرائق الدعوية، وفي مجال اختلاف تخصصات الدعاة، وتنوِّع الجهود الدعوية، طالما أنها سائرة في الطريق الدعويّ الشرعيّ؛ وليس في شيء مِن نصوص الشرع ما يوجب أن تكون الدعوة على نمطٍ واحدٍ أو مجالٍ واحدٍ، وإنما الذي جاءت به النصوص هو رسْم المنهج، وتحديد الغاية والهدف؛ فإذا تحققَ لداعيةٍ ما هذا وذاك كان سائراً في طريق الدعوة إلى الله تعالى؛ فلا يصحّ التحجير عليه بتحليلٍ أو تحريمٍ لم يأذن به الله تعالى.
وبناءً على هذا فإنّ اختلاف تخصصات الدعاة ومجالاتهم، لا يصحّ أن يُنظر ‘إليه على أنه مِن قبيل الخلاف، وإنما هو مِن قبيل اختلاف التنوّع المطلوب لتحقيق الغاية الواحدة، وهي دعوة الناس إلى الله سبحانه، وإلى الأخذ بدينه الذي بعث به رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم. وعلى النهج كان المحققون أئمة السلف الصالح أئمة الهدى.
وإنْ شئتَ فاقرأ شاهداً على هذا جواب الإمام مالك للعُمري العابد: فقد كتب هذا الثاني رسالةً إلى الإمام مالك يحضّه فيها على العزلة والانفراد والانقطاع للعبادة، ويُرغِّب مالكاً عن اجتماع الناس إليه لأخذ العلم؛ فكتب الإمام مالك له بقوله:
إنّ الله تعالى قسّمَ الأعمال كما قسّم الأرزاق؛ فرُبَّ رجلٍ فتُح له في الصلاة، ولم يُفتَح له في الصوم، وآخَر فتُح له في الصدقة ولم يُفتَح له في