مكلّف بحسب فهمه1، أي بحسب فهمه للكتاب والسنّة وَفْق القواعد والضوابط في ذلك.
وقال في موضع آخر: والذي أقوله: إن المبادرة إلى امتثال الأمر مطلوبةٌ كمن سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم لا رخْصة له في ترْكه2.
ومِنْ هذا كله نخرج بحقيقةٍ واضحة هي أنه ما كان لأحد من السلف الصالح رضوان الله عليهم: من الصحابة ومن بعدهم من الأئمة أن يكون له الحق في مخالفة سنّة النبي صلى الله عليه وسلم، بل هم مُجْمعون على احترامها واتّباعها.
على أن المراد باتّباع السنّة إنما هو اتّباعها وَفْق هَدْيها، سواء أفي مسألة الدعوة إليها أم الاهتداء بهَدْيها في سائر شئون الحياة، ولهذا أَنكر النبي صلى الله عليه وسلم على من أخطأ في ظنه أنه يجوز له أن يغلوَ في الدين طالما أنه خَيْر، فقد أخرج البخاري وغيره عن أنس: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أُخْبروا كأنهم تَقَالّوها فقالوا: وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم؟! قد غفر الله له ما تقدم من ذَنْبه وما تأخر. قال أحدهم: أمّا أنا فأنا أصلِّي الليل أبداً، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أُفطِرُ، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبداً. فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أَمَا والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكنّي أصوم وأُفْطِرُ،