هو الذي أَلْزَمَنا إصلاح الفساد، وسدَّ الخلل. على أنّا لم نقل في ذلك الغلط إنه اشتمالٌ على ضلالة، أو زيغٌ عن سنة. وإنما هو في رأيٍ قَضَى به على معنى مستتر، أو حرفٍ غريب مشكل.

وقد يتعثر في الرأي جِلّة أهل النظر والعلماء المبرِّزون، والخائفون لله الخاشعون، فهؤلاء صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم- وهم قادة الأنام، ومعادن العِلْم، وينابيع الحكمة، وأَوْلى البَشَرِ بكل فضيلة وأَقْربهم من التوفيق والعصمة- ليس منهم أحد قال برأيه في الفقه إلا وفي قوله ما يأخذ به قوم، وفيه ما يرغب عنه آخرون ... وكذلك التابعون ... والناس يختلفون في الفقه وَيَرَدُّ بعضهم على بعض في الحلال أنه حرام، وفي الحرام أنه حلال، وهذا طريق النجاة أو الهلكة، لا كـ"الغريب" و"النحو" و"المعاني" التي ليس على الهافي فيها كبير جُناح، كالشافعي يَرُدُّ على الثوري وأصحاب الرأي1 وعلى مُعَلِّمِه مالك بن أنس.

وأبو عبيد يختار من أقاويل السلف في الفقه، ومن قراءتهم، ويرذل منها، ويدل على عورات بعضها بالحجج البيّنة.

وعلماء اللغة أيضاً يختلفون، وينبّه بعضهم على زلل بعض، والفرّاء يَرُدُّ على إمامه الكسائي، وهشام يَرُدُّ على الفرّاء، والأصمعيُّ يُخطِّئ المفضّلَ ... وهذا أكثر من أن يحاط به، أو يوقف من ورائه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015