بالسلطان ما لا يزع بالقرآن"، بشرط أن لا تكون البداية بهذا، وإنما بأسلوب الدعوة والرفْقِ والأُخوةِ واللين والمحبة؛ لأنه يمكن أن نقول أيضاً، "إن الله ليزع بالقرآن ما لا يزع بالسلطان"، فمن يَنْظر للواقع ولفطرة الناس لا يمتري في ذلك، بل إن هذا هو الأصل، وأما التغيير بالسلطان فهو بمثابة الكي يكون آخر الدواء إذا قدّر أن المصلحة الشرعية تقتضي التغيير به.

ولا يفوت هنا أن أُنبِّه إلى أنّ هذا إنما هو في مجال التعامل العام مع عموم الناس، أما القضايا المرفوعة للسلطان فلها أحكامها القضائية الشرعية المعلومة، فليست مما فيه هذا الموضوع.

وأخيراً ينبغي هنا التنبُّهُ إلى دلالةٍ مهمّة، تدل عليها النصوص الواردة في كلٍ مِن الرفق واللين، والشدّة والغِلظة، وهي دلالة مجموع النصوص، والنظر إلى مقْصدها العامّ؛ فبالنظر إلى جميعها يتبيّنُ لنا: أَنّ الشدّة والغِلظة في الدعوة خطأٌ يأباه هذا الدين، ويَرُدُّه سيرة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم؛ وأنّ الرفق واللين قد جاء الأمر بهما أمراً عامّاً، وجاء الثناء عليهما ثناءً عامَّاً، ليس في ذلك حالةٌ مستثناةٌ مِن هذا الأمر وهذا الثناء؛ بخلاف الشدة والغِلظة؛ فإنّ ما جاء مِن النصوص التي يمكن أن يُستدَل بها عليهما، لا تَدُل على ذلك صراحةً، ثم لم يأتِ ذلك في صورة الدعوة العامّة إليهما، وإنما في حالاتٍ استثنائيةٍ قد تقتضي ذلك؛ ولهذا جاء لفظ الحديث الشريف: "إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا يُنْزع من شيء إلا شانه" 1. وهكذا ما ماثَلَهُ مِن الأحاديث

طور بواسطة نورين ميديا © 2015