سادسا: ضرورة قياس الأحداث التاريخية على واقع الناس، فما جاز تصور وقوعه جاز تصديقه، وما استحال حدوثه استحال تصور وقوعه تاريخيا.
وفي ذلك نقرأ توجيه الله تعالى حيث يقول سبحانه: {لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ} 1، وقد نزلت هذه الآية في إطار حادثة الإفك، وفيها توجيه بقياس ما يشاع على عامة المؤمنين، فإن تصوروا وقوع الحدث على أنفسهم، فلهم أن يصدقوا وقوعه من غيرهم, وإن لا فلا.
يروي ابن إسحاق أن أبا أيوب الأنصاري قالت له امرأته: "يا أبا أيوب, أما تسمع ما يقول الناس في عائشة رضي الله عنها؟ ".
قال: نعم، وذلك الكذب، أكنت فاعلة ذلك يا أم أيوب؟
قالت: والله ما كنت لأفعله.
قال: "فعائشة والله خير منك"2.
فنجده -رضي الله عنه- يرد الشائعة بعد أن قاسها على نفسه وبيته، فلما رآها تمتنع عليها حكم بامتناعها عمن هي أفضل منها، وعن مثلها في نفس الوقت.
إن أخبار القسم الثالث من تاريخ الدعوة في أمس الحاجة إلى اتباع المنهج الصحيح في تنقيتها وتصحيحها.
يقول الأستاذ محمد قطب: "كتابة التاريخ البشري من زاوية الرصد الإسلامي ضرورة لازمة للأمة الإسلامية، وليست نافلة يمكن إسقاطها، أو الاستغناء عنها، والعلماء المسلمون مدعوون للقيام بنصيبهم في هذا الجهد الشاق؛ ليبنوا للمستقبل الطريق الصحيح"3.