القول الثالث: جواز تسلسل الحوادث المتعاقبة في الماضي والمستقبل، وقال بهذا أئمة أهل الملل، ومنهم أئمة أهل الحديث، وقال به أئمة الفلاسفة (?) .

وأما امتناع دوام الحوادث في المستقبل وجوازها في الماضي فلم يقل به أحد من الناس.

ومن الملاحظ أن الجهمية انفردت بنفي تسلسل الحوادث في المستقبل، وأول من أظهر هذا القول في الإسلام: الجهم بن صفوان (ت - 128هـ) ، وشبهته: أن ما كان له ابتداء فلا بد أن يكون له انتهاء، وأن الدليل الدال على امتناع ما لا يتناهى لا يفرق بين الماضي والمستقبل فقال بفناء الجنة والنار، بل وفناء العالم كله، حتى لا يبقى موجود إلا الله، كما كان الأمر في الابتداء كذلك.

وتبعه أبو الهذيل العلاف (ت - 235هـ) في ذلك لكنه يرى فناء الحركات فقال: إن الدليل إنما دل على انقطاع الحوادث فقط، فيمكن بقاء الجنة والنار، ولكن تنقطع الحركات فيبقى أهل الجنة والنار ساكنين ليس فيهما حركة أصلاً، ولا شيء يحدث، فيبقى أهل الجنة وأهل النار في سكون دائم لا يقدر أحد منهم على الحركة (?) .

وقد اشتد إنكار السلف - رحمهم الله - على الجهمية في هذه المسألة، بل كفروهم بهذه المسألة، لما قاله خارجة بن مصعب رحمه الله (?) :

(كفرت الجهمية في غير موضع من كتاب الله، قولهم: إن الجنة تفنى،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015