وفي السياسة برزت الديمقراطية والدكتاتورية، فالأولى (?) فتحت الباب على مصراعيه وأطلقت الحريات بلا عنان، وجعلت الحكم للشعب طارحة أي حكم شرعي غير مبالية فيه، فحكم الناس يقدم على حكم رب الناس، والأخرى (?) جعلت الحكم محصور بشخص واحد ولا يحق لأحد التدخل مهما بلغ من الثقافة والعلم، وغيرها من الأفكار والمذاهب التي لا يسع المجال لذكرها.

وهذه القوانين مع كثرة الواضعين لها والمنقحين والمراجعين والمصححين إلا أنه لا زالت تغير يوما بعد يوم، فمن وضعها غير راض عنها فضلا عن غيره.

وكل هذه الأفكار والمذاهب والتشريعات والقوانين على اختلاف مجالاتها كان منتهى قدراتها مجتمعة أن تخدم بدن الإنسان وجسمه، ولم تستطع أن تقدم للروح شيئا، فكان غاية ما عندها أن تقول للناس: ليتخذ كل منكم الدين الذي يريد، فإننا لا نعرف كيف تسعد الروح.

فكل هذه العقول لم تستطع أن تأتي بشريعة خالدة شاملة لجميع نواحي الحياة كما أتى به النبي (صلى الله عليه وسلم) في شريعته، وهذا من أدلة صدقة، فالبشر لا يقدرون على هذا، ولا حتى النبي (صلى الله عليه وسلم) يقدر على ذلك، إنما هذه الشريعة تنزيل من عزيز حميد، شريعة لا يأتيها الباطل من بين أيديها ولا من خلفها، يقول برناردشو (?) : (لو كان محمد - نبي الإسلام - حيًّا يرزق لاستطاع أن يحل مشاكل العالم وهو جالس على حصيرته يحتسي القهوة) (?) .

المطلب الرابع عشر: الإعجاز العلمي:

وقد أُلَّفت في هذا مؤلفات كثيرة، تبين مدى الإعجازات العلمية الدقيقة التي تكلم عنها النبي (صلى الله عليه وسلم) قبل أربعة عشر قرنا، ولم نعرف معناها إلا الآن في هذا القرن، وقد ألف الدكتور مختار سالم كتابا بعنوان (الإبداعات الطبية لرسول الإنسانية) (?) ، ذكر فيها أنواعاً كثيرة من العلاجات النبوية لأمراض بعضها لم يعرف له دواء إلى الآن، وكيف أن النبي (صلى الله عليه وسلم) تنبأ بخروج طاعون العصر (الإيدز) ؛ كما في حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ؛ لَمْ تَظْهَرْ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ، حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلَّا فَشَا فِيهِمْ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمْ الَّذِينَ مَضَوْا ... » (?) .

وفي الصحيحين (?) عن أبي هريرة - رضي الله عنه أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: «إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً إحداهن في التراب» فقد ثبت طبياً أن لسان الكلب يحمل فطريات ضارة جداً بالإنسان، وهذه الفطريات لا تزول ولا تقتل إلا بالتراب مع الماء (?) .

وفي صحيح البخاري (?) أيضاً أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: «إذا سقط الذباب في إناء أحدكم فليغمسه، فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر دواء» .

وأثبتت التجارب الطبية أن الذبابة تحمل في أحد جناحيها جراثيم مضرة، وفي الآخر فطريات تقتل هذه الجراثيم (?) .

وغير ذلك من أنواع الإعجاز وألوانه، الذي يدل أن النبي (صلى الله عليه وسلم) لا يقول هذا من عند نفسه بل من الوحي.

المطلب الخامس عشر: الوصف الدقيق للغيب:

إن وصف أمور الغيب بدقة لا يكون إلا ممن رآه أو سمع من رآه، ولذلك يمكن القول بأن وصف النبي (صلى الله عليه وسلم) لربه وللملائكة وللجنة والنار وصف عجيب، لا يمكن أن يأتي به بشر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015