وقال سبحانه مؤكدا على هذه الحقيقة: (ومنهم من يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ (?) وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آية لَا يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ( [الأنعام:25] ، فهو يستمع للقرآن-وهو الآيات الشرعية- ويرى كل آية - وهي الآيات الكونية- ومع هذا يقول أساطير الأولين.

ويقول تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ () وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آية حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ ( [يونس:96-97] .

ويقول تعالى: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آية لاَ يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ} [الأعراف:146] . يعني سبب ذلك أنهم كانوا يكذبون بآيات الله الكونية والشرعية، فالله سبحانه يعلم أن هذه الآية-انشقاق القمر- لن تؤثر فيهم، ولكن استجابة لنبيه حتى يرى بعينه هذه الحقيقة، فينتقل من علم اليقين إلى حق اليقين، لذلك لم يسأل النبي (صلى الله عليه وسلم) ربه آية أخرى (?) .

6-هذه الآية لم تكن مشروطة بالعذاب، كما حصل من عيسى عندما سأل ربه أن ينزل على قومه مائدة من السماء، فقال الله تعالى: {إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ} [المائدة:115] .

وعلى هذا تكون أمة محمد مستثناة من هذا الحكم.

خامسا: نزيد على ذلك أنه قد تم إجماع العلماء على وقوعه:

قال ابن كثير في تفسيره: (وهذا أمر متفق عليه بين العلماء؛ أي انشقاق القمر، قد وقع في زمان النبي (صلى الله عليه وسلم) ، وأنه كان إحدى المعجزات الباهرات) (?) .

وقال في البداية والنهاية: (وقد اتفق العلماء مع بقية الأئمة على أن انشقاق القمر كان في عهد الرسول (صلى الله عليه وسلم) ، وقد وردت الأحاديث بذلك من طرق تفيد القطع عند الأمة) (?) ثم ساق الأحاديث الواردة في ذلك، وقرر بعدها (فهذه طرق عن هؤلاء الجماعة من الصحابة، وشهرة هذا الأمر تغني عن إسناده مع وروده في الكتاب العزيز) (?) .

وفي نظم السيرة لأبي الفضل العراقي:

فصار فرقتين فرقة علت وفرقة للطود منه نزلت

وذاك مرتين (?) بالإجماع والنص والتواتر السماعي (?)

(وقال الحافظ ابن حجر: أجمع المفسرون وأهل السير على وقوعه) (?) .

-وأما قول رشيد رضا - فيما نقلناه عنه تحت عنوان الإشكال الأصولي الأعظم (?) -: (فليس له أن يجعلها من عقائد المسلمين) .

فهذا كلام غريب؛ إذ فكيف لا يكون من عقائد المسلمين، وقد نص الله تعالى عليها في كتابه، وتواترت سنة النبي (صلى الله عليه وسلم) في ذكره وتتابع علماء المسلمين على جعلها من عقائد المسلمين، وذكرها في دلائل النبوة، كما فعل البيهقي وأبو نعيم، وكل من تكلم عن دلائل النبوة ذكر فيه هذه الآية (?) ؟

ثم لو سلم لرشيد رضا كل ما تقدم، وأن هذه المعجزة غير ثابتة، فماذا يقول في قوله تعالى: {سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا ... } [الإسراء:1] فهل يُنكر أيضا حادثة الإسراء والمعراج؟ وهل ينكر حادثة الفيل؟ وكلها ثابت في القرآن.

ونحن نسأل من أنكر معجزات النبي (صلى الله عليه وسلم) ، هل هو ينكر مبدأ المعجزات، وأنه لا يوجد شيء اسمه خرق عادة، أم أنه ينكر آحاد هذه المعجزات التي حصلت للنبي (؟

طور بواسطة نورين ميديا © 2015