أولًا: بأي معنى، وإلى أي مدى يمكن أن توصف الأخلاق القرآنية بأنها دينية؟
لا شك أن هذا المعنى لا يرجع فقط إلى أن القواعد التي تقررها هذه الأخلاق موضوعها الوحيد والجوهري -هو تنظيم العلاقات بين الإنسان، وبين الله تبارك وتعالى؛ إذ كان من اليسير التأكد أن وجهًا من وجوه النشاط الإنساني لم يفلت من تقنين تلك الأخلاق1، ومن هذا الجانب لم تعرف الإنسانية أخلاقًا أخرى أكمل من الأخلاق القرآنية.
ومن الممكن أيضًا أن نقرر أن الشعائر الدينية المحضة لا تشغل في هذه الأخلاق سوى أقل مكان. والحق أنه يجب أن نفرق هنا بين موقفين مختلفين: الامتداد والعمق، أو الظاهر والباطن. فإذا كان النشاط الذي يمارسه المسلم في كلا الميدانين: الحيوي والاجتماعي، يشغل بعامة -من حيث مظاهره الخارجية- مجالًا أرحب من المجال الذي يشغله بالعبادة, فإن حياته الباطنة تتميز -على العكس- بعمق التدين: فهو يحب الله فوق كل شيء، وهو يخضع كل شيء لإرادته، وهو يستوحي في كل موقف أمر الله ورضاه.
وليس ينبغي أن نعتقد أيضًا أن الأخلاق القرآنية أخلاق دينية، بمعنى أن رقابتها توجد فقط في السماء، وأن جزاءها فيما وراء الموت، إذ إنها تخول هذه الصلاحيات في نفس الوقت لقوتين مؤثرتين أيضًا هما: الضمير الأخلاقي، والسلطة الشرعية، وليس ذلك فحسب، بل إنها تكلف كل فرد في الأمة أن يحول بكل الوسائل المشروعة دون انتصار الرذيلة والظلم.
وهي أيضًا ليست دينية، بمعنى أنها لا تجد دافعًا إليها إلا في الخوف