لم يكن عمر وحده في هذا الموقف، بل كانت الأمة كلها تواجهه بشجاعة، وصبر، ومعالجة، حتى انجلت الأزمة، واستغنى الناس عن ربط الحجارة على البطون، ولم يسجل التاريخ حالة تذمر واحدة، أو حتى نكتة واحدة تشنع بسياسة الدولة، أو شكوى واحدة من اختفاء الخبز أو الإدام، بل إن الناس لم يزدادوا مع الأزمة إلا استمساكًا بأخلاقهم, وحرصًا على أداء واجباتهم، وصبرًا في البأساء والضراء وحين البأس.
ولقد أوقف عمر -رضي الله عنه-, فيما يذكر التاريخ، تطبيق حد السرقة آنذاك، ترفقًا بالمضطرين إليها من أجل الإبقاء على حياتهم، ومع ذلك لم يذكر التاريخ أن الجائعين تحولوا إلى لصوص، أو أن القادرين أصبحوا مستغلين أو محتكرين، فقد كانت أخلاق الجماعة الإسلامية أقوى من قَرص الجوع، وأمنع من أن تزلزلها أزمة تموينية.
في هذا الضوء الرباني نستطيع أن نقرر حاجة مجتمعنا العربي إلى ثورة أخلاقية تدعم الثورة الاشتراكية، وتعالج ما أحدثت من مشكلات اجتماعية؛ نتيجة عدم التوازن في حركة الإصلاح الذي تم حتى الآن.
إن أكبر خطأ وقع فيه دعاة الثورة الاشتراكية في الوطن العربي أنهم تصوروا الثورة وصفة طبية، تقتبس من أصحابها؛ ليتعاطاها المجتمع المريض في أي زمان ومكان؛ فإذا بكثير من الثوريين المتفلسفين يعكفون على استملاء التجارب والأدوية من الكتابات والمؤلفات الجاهزة، وتدور المطابع، وتكثر الكتابات الثورية، حافلة بالتنفخ والادعاء، ولو جاز تطبيق حد السرقة على اللصوص، لكان أول من يحق عليهم حدها أولئك السرقة الكاتبون، والمقتبسون، دون تمييز، الآكلون أفكار الناس بالخطف والتقليد!!
والحق أن الإصلاح الثوري نبات لا بد أن يتفجر من باطن الأرض