المشقات حين لا يقتضيها الموقف، أو الواجب. فأما حين يكون العكس، وهو أن يشتمل عبء الحياة العادية على ثقله، فليس هناك ما يجيز لنا أن نتملص منه. فهما أمران مرفوضان على سواء: "التعصب" الأعمى، و"التنسك" الغبي الضيق الأفق.

فلنتناول الحالة التي يقتضي فيها تحقيق الخير الأخلاقي "بالمعنى الواسع للكلمة" تدخل طاقتنا. فعلينا إذن أن نسأل أنفسنا عن أهمية هذا الاقتضاء، هل هو يتطلب طاقتنا بكمالها، أم أنه يعين لها حدًّا تقف عنده, فإذا تجاوزته أصبح جهد الواجب الأساسي -واجب كمال، "على ما بيناه في دراستنا لدرجات الجهد الإبداعي"، وليس ذلك فحسب، ولكن الاقتضاء الآمر يخلي مكانه لنوع من الإجازة، حتى يبلغ حد التحريم؟

إننا إذا حكمنا على هذه المسألة ببعض النصوص فإن الجهاد يجب أن يستهدف المثل الأعلى، متناسيًا نفسه، وهكذا نقرأ في الآيات الأخيرة من سورة الحج الأوامر الآتية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ، وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ} 1, وفي سورة آل عمران: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} 2.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015