ذلك أنه كلما كثرت طاعة المرء أصبح طائعًا، كما أنه كلما تمرس بالقيادة يصبح قائدًا. ومع ذلك إن هذا التدريب لم يكن لكي نتوقف عند الموضوع المادي الذي يستخدم فيه، إنه يستهدف مجموع سلوكنا، فمن أقبل خلال صومه على كل آثم من القول أو الفعل -لم يستفد من الدرس، إذ يكون قد فرض على نفسه تضحيات لا جدوى منها، حين حرم نفسه من الأكل والشرب، على حين لم يحقق مقاصد الأمر السماوي، وفي هذا يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه أبو هريرة: "من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه" 1.
إننا لم نستلهم المغزى الأخلاقي للصوم، على ما حددناه آنفًا، من المسلك العام للتعليم القرآني فحسب، وإنما هو مبسوط في نفس النص الذي يأمر بهذه الشعيرة، وهو قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} 2، والرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: "الصوم نصف الصبر"3 ويقول أيضًا: "الصوم جنة" 4.
وليس في هذه النصوص، ولا في غيرها5، فيما أعلم، أية إشارة إلى