مقعده من النار، أو من الجنة". قالوا: ألا نتكل؟ قال: "اعملوا، فكلٌّ ميسر" 1، ثم تلا قوله تبارك وتعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى، وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى، وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى، وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} 2.

هذه الدرجة الأولية من الجهد لا بد منها للأخلاقية، فهي روحها وجوهرها، فمن وضع نفسه في الدرجة الأدنى من ذلك مباشرة، فإنه يتخلى ويتنازل عن كرامته كإنسان. ولكي نستعمل تعبيرًا من تعبيرات النبي -صلى الله عليه وسلم- نقول: إن عدم وجود هذه الدرجة الأولية لا يسمى ضعفًا، بل هو "عجز" حقيقي، وذلك وارد في قول الرسول -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه مسلم عن أبي هريرة: "احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز" 3.

بيد أن للجهد المبدع "معنًى ثانيًا"، وهو لا ينحصر في اختيار إرادي، أيًّا كان نوعه، بل في "اختيار صالح". ولا ريب أنه إذا كان بحثنا -على سبيل الافتراض- قد اتجه من قبل نحو الخير، فإن جميع الحلول التي نحصل عليها سوف تبدو لنا صالحة. ومع ذلك فليس كل ما يستهدف خيرًا هو بالضرورة صالح في ذاته، ومشروعية الغاية لا تعفي من مشروعية وسائلها، فلكي يكون الحل المتصور مقبولًا لا يكفي أن يستهدف الخير، بل يجب كذلك أن يستلهم الشرع، وأن يتطابق مع قواعده، في بنائه ذاته. ولقد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015