ولقد "كان صلى الله عليه وسلم يمزح ولا يقول إلا حقًّا"1، وروى البخاري عن أسامة بن زيد قال: كنا عند النبي -صلى الله عليه وسلم- فأرسلت إليه إحدى بناته، تدعوه وتخبره، أن صبيًّا لها، أو ابنًا لها في الموت، فقال للرسول: "ارجع إليها فأخبرها أن لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى، فمرها فلتصبر ولتحتسب" فعاد الرسول فقال: إنها قد أقسمت لتأتينها، قال: فقام النبي -صلى الله عليه وسلم- وقام معه سعد بن عبادة، ومعاذ بن جبل، وانطلقت معهم، فرفع الصبي، ونفسه تقعقع، كأنها في شنة2، ففاضت عيناه, فقال سعد: ما هذا يا رسول الله؟ قال: "هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء" 3.
وهذه الظاهرة نفسها حدثت عندما: "اشتكى سعد بن عبادة شكوى له، فأتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعوده مع عبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن مسعود، فلما دخل عليه وجده في غشية، فقال: "أقد قضى؟ " قالوا: لا يا رسول الله، فبكى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلما رأى القوم بكاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بكوا، فقال: "ألا تسمعون، إن الله لا يعذب بدمع العين، ولا بحزن القلب، ولكن يعذب بهذا " وأشار إلى لسانه "أو يرحم" 4.
ومع ذلك فإن أحيا المشاعر وأعمقها لا تتفجر عنده في هذه المواقف العادية المألوفة، فلقد كان لاهتمامه بنجاة الناس، والآلام التي يحسها حين يرى