علينا، وليس له معنى أخلاقي إلا من خلال ضميرنا الفردي، وشريطة أن يعترف به، فمن يد هذا الضمير الفردي نتلقى في كل حال الأمر المباشر، وعقلنا الإنساني هو الذي يأمرنا أن نخضع للعقل الإلهي.
ومن هنا استطاع الغزالي أن يقول: "وقول القائل: صار واجبًا بالإيجاب حديث محض، فإن ما لا غرض لنا آجلًا وعاجلًا في فعله وتركه؛ فلا معنى لاشتغالنا به، أوجبه علينا غيرنا أو لم يوجبه"1. هذا من ناحية ومن ناحية أخرى: عندما أسال نفسي، وقد استسلمت لأنواري الفطرية قبل أن أخوض عملًا ما -لكي أعرف واجبي، في موقف يتسم بالوضوح نسبيًّا, فإن إشارة ضميري لن يكون لها في نظري قيمة القاعدة الأخلاقية إلا إذا اعتقدت أنها تعبر عن الحقيقة الأخلاقية في ذاتها، لا عن حقيقة نسبية بالنظر إلى مشاعري. وكل جهودي في التأمل تهدف إلى مطالعة هذه الحقيقة التي أعتقد أنها مطبوعة في أعماقي، وفي جوهر كل كائن عاقل.
فإذا ما قيل لنا: إننا نحن الذين نشرع لأنفسنا، بوصفنا أعضاء في عالم عقلي، وجب علينا أن نتفق على ذلك الاستقلال الذي خص به العقل.
ماذا تعني في الواقع هذه القولة: "العقل يمنح نفسه قانونه"؟ هل يبدع العقل القانون؟ أم أنه يتلقاه معدًّا، على أنه جزء من كيانه؛ كيما يفرضه على الإرادة؟
ذلك لأنه إذا كان العقل مبدع القانون فإنه سوف يصبح السيد المطلق، فيبقي عليه أو يبطله، تبعًا لمشيئته، فإذا لم يستطع ذلك فلأنه قانون سبق في وضعه وجود العقل، وأن صانع العقل قد طبعه فيه، كفكرة فطرية, لا يمكن الفكاك منها.