إبعادها عن أسرته الكبيرة التي صحبته في غربته. وأذكر أنه اضطر -أثناء هجوم الحلفاء لتحرير فرنسا- لقضاء أيام طويلة مع أسرته في مخبأ تحت الأرض, كان يجمع فيه أوراقه التي يحرص عليها ويشتغل وسط القنابل التي كانت تدوي من حوله, على ضوء شمعة أو مصباح خافت.

وتمت مناقشة الرسالة أمام لجنة مكونة من خمسة من أساتذة السوربون والكوليج دي فرانس في 15/ 12/ 1947.

وظل جمهور المثقفين من العرب والمسلمين يسمعون عن هذا العمل القيم دون أن يستطيعوا قراءته والاستفادة منه, حتى قيض الله له أستاذًا شابًّا من خيرة شباب العرب والمسلمين هو الدكتور عبد الصبور شاهين, الذي ندب نفسه طيلة أعوام ثلاثة لترجمة النص الفرنسي إلى العربية. وقد جمع صفات وميزات قلما تتوافر لمن يتصدى لمثل هذا العمل الضخم, فهو إلى جانب تكوينه وثقافته الدينية العميقة أستاذ للغة العربية؛ كما أنه يتقن اللغة الفرنسية التي درسها دراسة جادَّة, وترجم منها إلى العربية عدة كتب لعدد من العلماء والفلاسفة.

ولم يألُ المترجم جهدًا في أن يضع في خدمة النص كل ما يستطيع من أساليب التوثيق والإيضاح التي تخدم قارئ العربية وتعمق ثقافته الدينية. من ذلك أنه لم يكتف -كما فعل المؤلف- بالإشارة إلى الآيات القرآنية في الهامش بذكر رقم الآية والسورة, بل أخذ على عاتقه كتابة الآيات الكريمة كاملة وإدماجها في النص نفسه, وبذلك كفى القارئ مئونة البحث في المصحف الشريف عن تلك التي لا غنًى عنها لتدعيم الفكرة التي يشرحها المؤلف. ومن ذلك أيضا ما قام به من الرجوع إلى كتب الفقه والحديث والتفسير وعلم الكلام لتوثيق بعض النصوص التي لخصها المؤلف بالفرنسية, وحرص المترجم على وضعها في نصها الأصلي الذي ورد في كتب التراث

طور بواسطة نورين ميديا © 2015