والنفسي" لوجدناها في الواقع تؤدي دورها الذي عينه لها قانون الطبيعة، بطريقة قدرية، وعلى نسق واحد. فليس هنالك أدنى تدخل ممكن لمبادرتها الخاصة، لا من أجل صيانة النظام الثابت، ولا من أجل تغييره، أو تعديله في أي صورة ما كان، وإذن فلا مسئولية مطلقًا.
أما في النظام الأخلاقي فالأمر بالعكس، حيث يواجه الفاعل إمكانات متعددة، يستطيع أن يختار من بينها واحدة، توافق هواه، سواء احترم القاعدة، أو اخترمها.
"فالإمكان" و"الضرورة" هما الصفتان اللتان تكونان مجالي المسئولية وعدم المسئولية، كل على حدة، والجانب الأول هو الذي رصد له الإنسان استعداده.
هذا التباين الذي يضع الكائن العاقل ضد الكائنات غير المزودة بالعقل، من حيث مقدرتها الأخلاقية -يبدو لنا أن القرآن قد أبرزه في هذه الجملة الإلهية القصيرة: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهولًا} 1 "لأنه قد انتهكها"2.