قد يقول قائل: ما هو الفرق بين طلب بني إسرائيل رؤية الله وبين طلب سيدنا موسى لذلك؟
و صلى الله عليه وسلم أن الفرق بينهما كالفرق بين الثرى والثريا، فهؤلاء أناس قالوا: {لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً} [البقرة:55] أي: أنهم ليسوا بمؤمنين والعياذ بالله، بل يستحقون نزول الصاعقة عليهم، ومع ذلك يشترطون لإيمانهم بالله رؤيته.
أما طلب سيدنا موسى فكان من شدة الشوق والحب لله عز وجل، وطلبه ليس مشروطاً لإيمانه بل هو مؤمن، ولكنه يريد الدرجة الأعلى، وإلا فكمال الحب كيف يوجد مع الشك أو عدم الإيمان؟! فالذين قالوا: {لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً) [البقرة:55] فد كفروا بعبادة العجل وليسوا كلهم عبدوا العجل، فقوله: ((فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ)) أي: بعض قومك، وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ} [الأعراف:152].
إذاً: هناك أناس اتخذوا العجل، وهنا أناس ليسوا كذلك، وقوله تعالى: (اقتلوا أنفسكم) أي: اقتلوا الذين عبدوا العجل، وإن كان هذا الخطاب عاماً في ذم بني إسرائيل؛ فهو يتناول الأغلب الأعم، ويعد في التاريخ من فعل بني إسرائيل، وذلك يعم الموجودين أيام النبي عليه الصلاة والسلام، ويعم الموجودين في أيامنا ممن يعملون هذه الكفريات، فيقال لهم: أنتم الذين عملتم؛ لأنكم أنتم راضين بهذا أو بمثيله، أو عملتم مثيله.
ولما أمر الله موسى عليه السلام للخروج مع رجال معه إلى ميقات الله تعالى اختار رجالاً وكان ذلك بانتقاء، لأنه لا ينفع العدد الكبير، فاختار موسى سبعين رجلاً هم قادة الأمة، واختار الأمثل فالأمثل.
إن من أهم الأشياء عمل القلب، والسحرة قالوا لفرعون: إنا آمنا.
والإيمان هو: قول وعمل في القلب، فهم تركوا الباطل وصروا على إيذائهم كما قالوا: ((رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا)) وهذا عمل، ((وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ)) ونطقوا بالشهادة وهذا عمل، وهذا إيمان وعمل عظيم جداً ليس له نظير من كثير من الناس.
وسبب كثرة تكرار هذه القصة في القرآن: أن هذه قصة بناء أمة ليس لها نظير في الأمم السابقة، وأشبه سيرة بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم في الناس، فكانت هذه السيرة بمثابة الوقود والنور الذي يبين للنبي صلى الله عليه وسلم ولأصحابه الكرام ما يلزم فعله في مواجهة الباطل، وسوف تبقى عبر العصور كذلك؛ لأن هذه السيرة أكثر قصة تكررت في القرآن من قصص الصراع بين الحق والباطل بوضوح وجلاء بين، فيحتاج المسلمون أن يعرفوا تفاصيل هذا الصراع لكي يستفيدوا منه.
ثم إن الصفات القبيحة التي وقعت من بني إسرائيل أراد الله بذكرها في القرآن تحذيراً للأمة، أن لا تعمل مثلهم، وهذه الصفات القبيحة ذكرها الله أيضاً لكي نعرف عدونا الذي سوف يستمر معنا بمعرفتنا صفاته عبر التاريخ.