تحول هائل قال عز وجل: {فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ} [الشعراء:46 - 48]، وهذا تشريف عظيم لموسى وهارون عليهما السلام، {قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ} [الأعراف:123]؛ لأنه تعود أن كل عمل يحتاج إلى إذن منه حتى الإيمان والعياذ بالله، فكأنه يقول: كيف تعملون هذا دون إذني، فقال تعالى: {آمَنتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ * صلى الله عليه وسلم=6001077> لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ} [الأعراف:123 - 124].
وإن الذي يبحث على المال والقرب من فرعون، والعلو في الأرض، عندما تنزل عليه هذه العقوبة غير المحتملة فإنه سوف يدع الكل ويرجع ليركع مرة ثانية، ولكن إذا بالسحرة الذين صاروا مؤمنين ولم يعودوا سحرة كما كانوا، تغير حالهم كما قال: عز وجل عنهم: {قَالُوا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ} [الأعراف:125]، وأصبحت عندهم اهتمامات أخرى وهي: قضية الإيمان بالآخرة ولقاء الله عز وجل، والانقلاب والرجوع إليه سبحانه وتعالى: {قَالُوا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ * وَمَا تَنقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا} [الأعراف:125 - 126]، أي: أن حقيقة الأمر أنه لا يوجد مكر مكرناه، بل هو صاحب المكر، فهو الذي جمع السحرة من كل مكان، وحقيقة الأمر أنه ما نقم منهم إلا أنهم آمنوا وقالوا: {وَمَا تَنقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا} [الأعراف:126]، وذلك لقوله تعالى: {وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [البروج:8].
فواجهوه بهذا الدعاء، فإذا بهم يعرفون الله عز وجل، وأنه هو الذي يصبر عباده، وأنه هو الذي يتوفى من شاء على الإسلام، ويقلب القلوب سبحانه وتعالى: {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ} [الأعراف:126]، وقد قال السحرة كما في سورة الشعراء: {قَالُوا لا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ * إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ} [الشعراء:50 - 51]، وهنا صارت لهم منافسات أخرى، فكان طمعهم في المال فصار طمعهم في مغفرة الخطايا، وهنا طلبوا أن يكونوا مقربين من الله، وأن يكونوا أول من آمنوا، وقبل هذا كان الذي يغريهم هو القرب من فرعون، وأرادوا الآن التنافس في أن يكونوا أسبق إلى الله: {أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ} [الشعراء:51].