سبب ضعف الأمة وإهانتها

سبب ضعف الأمة هو وجود الوهن الداخلي في كل فرد منها ثم أدى إلى الوهن العام فيها، مع أن بأيديها من القوة ما لا يحيط به الأعداء، ولست أقصد الوهن الداخلي في المجتمع الذي نعيش فيه فقط، بل وحتى الوهن الداخلي في نفس كل واحد منا، قال الله عز وجل: {وَلا تَهِنُوا} [آل عمران:139]، أي: لا تضعفوا: {وَلا تَحْزَنُوا} [آل عمران:139]، أي: على ما فات، {وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران:139] أي: العاقبة والنصرة لكم، وهذه الآية في شأن غزوة أحد تنهى المؤمنين عن الضعف بسبب ما جرى، والضعف الذي يصيب الأمم المغلوبة هو محصلة وهن داخل كل واحد منها، فاجتمعت هزيمة كل فرد فهزمنا جميعاً، وأعداء الإنسان داخل نفسه هم الشيطان، والنفس الأمارة بالسوء وأمراض أخرى في الداخل، وكلها تسعى في أرض القلب فساداً، فأدت إلى حصول هذا الوهن، وأدى الوهن في مقاومتها إلى الوهن العام الذي أدى بدوره إلى الضعف.

والوهن: هو حب الدنيا وكراهية الموت، والصراع على شهوات الدنيا، هذا المرض الذي يعرف الأعداء جيداً أثره فيسعون إلى نشره، وأكثر الناس يأكلون الطعم، ويتنافسون على الدنيا أحقر المنافسات، نسأل الله العافية.

والحزن أن يظل الإنسان يفكر فيما مضى، لا لينتقل منه إلى عمل في المستقبل، بل لمجرد الأسى والحزن، ويتذكر الآلام لا ليستفيد من التجربة؛ لينطلق إلى عمل جديد، ولكن لكي يتألم فقط، أو يندب حظه، وهذا دائماً يجر سلسلة أمراض منها: العتاب على القدر ولومه، والشعور بالظلم، وأنه كان ينبغي أن يقع غير ما وقع، وعتاب الآخرين ولومهم وادعاء تقصيرهم في حقه، وهو المقصر، وأنواع من الأمراض التي تؤدي إلى أمراض أخرى، كمرض الحزن، والمقصود به المنهي عنه الذي يؤدي في نهاية المطاف إلى اليأس من رحمة الله، وإلى الاستسلام، والاستكانة التامة للعدو الداخلي والخارجي، فييأس من الإصلاح الداخلي، وييأس أيضاً من إصلاح ما حوله، فيقبل الواقع، ويغرق في شهوات الأرض، نعوذ بالله من ذلك قال تعالى: {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران:139]، فدلهم على الاستعلاء بالإيمان رغم الضعف الظاهر، والهزيمة في أحد، وقتل منهم سبعون، وجرح من جرح، فقد جرح النبي عليه الصلاة والسلام، وكاد المشركون أن يقتلوه، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

والذين فقدوا من المجتمع المسلم في غزوة أحد وزنهم في ميزان البشر بأمم، فـ حمزة أسد الله رسوله صلى الله عليه وسلم، ومصعب بن عمير الذي أدخل الله على يديه أهل المدينة في الإسلام وأمثالهم، فكم يساوي هؤلاء الشهداء الأفاضل الذين قتلوا؟ قد أخبرنا الله عز وجل بأن الواحد منهم بأمم لا بأمة وحدها، فالواحد منهم يغير مجرى التاريخ، ومع ذلك ينزل قوله الله تعالى: {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران:139]، فكل ما فقدناه بالنسبة إلى فقد رسول الله صلى الله عليه وسلم وحمزة ومصعب ومن معهما، رضي الله عنهم أجمعين هين وقليل، فينبغي علينا من باب أولى أن لا نهن أو نضعف، بل لابد أن يتم السير إلى الله عز وجل بكل قوة، وفي الطريق الصحيح، والطاعات كثيرة جداً، فلا تقتصر على صورة معينة، بل تستطيع أن تعبد الله عز وجل في كل حال وفي كل مكان، على العسر واليسر، والمنشط والمكره، وهناك أنواع عديدة من العبودية التي تؤديها في حالة الضعف والإحباط الذي يقع، والذي يملأ النفوس اليوم بسبب الأحداث الأليمة التي تمر بها الأمة في الداخل والخارج، وبسبب أنواع البلايا والمحن، وتسلط الأعداء بأنواعهم المختلفة.

إذاً: فلابد أن تكون لك قوة في طاعة الله، بما تقدر عليه وما تعلمه، حتى يفتح الله عز وجل عليك ما لا تعلمه، وما يغيب عنك، وما لا تقدر عليه، فلابد أن لا نهن أو نضعف في أداء أي عمل في طاعة الله عز وجل، ونعمل بما في أيدينا بكل قوة، ولا نحزن على شيء قد فاتنا، إذ لاشك أن المسلمين في أحد كانوا يريدون نصرة الإسلام، وعلو كلمة الحق، أو على الأقل طائفة عظيمة منهم فيها من هذه الإرادة ما لا يوجد في الأمة اليوم بأسرها، ففيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي وباقي المبشرين، ولا شك أنما فات بفعل الغزوة كان أمراً عظيماً، ومع ذلك فلا يجوز الحزن عليه، أفترى وسيلة من الوسائل التي عجز المسلمون عنها اليوم بالمقارنة إلى ما فات المسلمين في أحد يقتضي منك حزناً على ما فات؟ إن ما فات المسلمون في أحد بالنسبة إلى نصرة الإسلام في الأرض أعظم من كل الوسائل، فالقتال كان وسيلة لنصرة الإسلام، ومع ذلك فقد فاتهم ما فاتهم بسبب تصرف بعضهم، ونحن قد فاتتنا أشياء عجزنا عنها، نتمناها ونرجوها، ونحدث أنفسنا بها، ومع ذلك فليس ذلك الفوت مبرراً للحزن، أو للضعف، بل تعلم أنك كلما حققت معاني الإيمان كلما علوت به من الله تبارك وتعالى.

إذاً: فلابد أن نعلم جميعاً أنه كلما زاد رصيدنا من الإيمان، كلما رجحت كفتنا في الصراع مع الأعداء، وبالعكس من ذلك فإن حصل فينا داء الضعف، كحب الدنيا، وكراهية الموت، والحزن على ما فات حزناً يجذبنا إلى الأرض، ويدفعنا إلى اليأس، وإلى الإحباط، وإلى عدم التغيير المطلوب من الداخل أي: من النفوس حتى تصلح، وحتى يغير الله ما بنا من هذه الأمراض، فإنه كلما حصل ذلك كلما ضعف الإيمان، وكلما ضعف الإيمان كلما نزلنا إلى الأسوأ، فحال القلب بالنسبة لهذه الأمراض يشبه صاروخاً يريد أن يرتفع، ولكن فيه ضعف في قوته، وبه روابط تجذبه إلى الأرض، فإذا كانت قوته ضعيفة، والأربطة التي ربط بها إلى الأرض قوية فلن ينطلق، فلابد أن نتخلص من السببين: الأول: روابط الأرض التي تجعل المسلم يخلد إلى الأرض ويتبع الشهوات، ويحب الدنيا حباً مذموماً، فعليه أن يتخلص منها ويعظم الرغبة في الآخرة.

والثاني: قوة دافعة للارتفاع، وهي في الحقيقة قوة الإيمان، والإيمان علم وعمل وتصديق بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم يقيناً، وحب، وخوف، ورجاء، وتوكل، وعبادة، وصلاة، وصيام، وزكاة، وعبادات تؤدى لا كصورة، ولكن بالحقائق الباطنة، فلا تصم عن الطعام والشراب، ولم تصم ألسنتنا عن الغيبة والكذب، ولم تصم قلوبنا عن الحقد والحسد والضغينة والبغضاء، ولم تصم جوارحنا عن معاصي الله، فهذا الصيام أصبح صورة لا حقيقة له، ومعلوم: أنه لن يكون باطلاً فيؤمر صاحبه بالإعادة، إلا أنه لا يثقل الميزان، ومع ذلك لا يحكم على صاحبه بالكفر؛ لأن كل واحد عنده ذرة إيمان ينجو بها من الخلود في النار، لكن هذه الذرات لن ترجح الكفة في الصراع مع الأعداء، إذ لابد من أمر ثقيل كما قال تعالى: {وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران:139].

فعدم علونا يدل على أننا لسنا مؤمنين الإيمان الكامل، ولا أقصد بذلك الآحاد أيضاً؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم، والعشرة المبشرين، والشهداء الذين قتلوا، وجماعات من الصحابة، قد شهد لهم ربهم فقال: {مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ} [آل عمران:152]، فهناك أناس تريد الدنيا وليسوا منافقين، إذ أن المنافقين أمثال عبد الله بن أبي بن سلول رجعوا عن المعركة، والباقون هم أهل الإيمان، لكن إرادة الدنيا عندهم كانت مؤثرة على المجموع، فحصل لهم ما حصل.

نسأل الله عز وجل أن يوفقنا وإياكم لما يحب ويرضى، أقول قولي هذا وأستغفر الله.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015